عالمنا .. عالم مليء بالضغوطات اليومية والتحديات النفسية، وللصدمات جذور لها في دواخلنا غالبًا ما تمتد لمراحل الطفولة، التي شكلت وعينا الحالي وأدواتنا الخاصة للتعامل مع المحيط والبيئة. في خضم كل ذلك، نفقد توازننا في بعض الأحيان ونلجأ إلى ردود أفعال تعكس ما لم يُشفى في ذواتنا.

من هنا تبرز أهمية التشافي كرحلة لاستعادة التوازن والانسجام مع الذات. فهذه الرحلة ليست مجرد أداة لتخفيف الألم أو تجاوز أزمة آنية، وإنما عملية عميقة تعزز من قدرتنا على النمو والتطور وتشكيل النسخة الأفضل منّا.

في هذا المقال نستعرض 10 خطوات عملية تساعدك في البدء بهذه الرحلة نحو الشفاء، حتى تتمكني من إعادة بناء قوتك الداخلية واستعادة التوازن الطبيعي، الذي تحتاجينه للاستمرار بنجاح في حياتك اليومية.

التشافي الذاتي هو عملية معالجة آلامك ومعاناتك، من خلال تحديد الجوانب التي عانيت فيها من الألم أو الصدمة أو الضغوطات، وتحمل مسؤولية رفاهك الشخصي والعمل باستمرار لتحقيق شفائك. لا يعني التشافي الذاتي الاعتماد كليًا على نفسك وإنما يتعلق أيضًا بالسعي للحصول على الدعم والموارد الملائمة والداعمة في رحلة التعافي. ومن الضروري تبني ممارسات حياتية يومية لتعزيز الشفاء.

يعمل الشفاء الذاتي على نحوٍ أفضل بالثبات والمثابرة فكلما استثمرت أكثر حصلت على نتائج أفضل. يشبه الأمر إلى حد بعيد التمارين الرياضية، فكلما بذلت جهدًا أصبحت أقوى وأكثر صحة ومرونة.

قد يختلف الوقت الذي يستغرقه الشفاء الذاتي من شخص لآخر، ومن المهم أن ندرك أن الشفاء الذاتي هو عملية – وهي عملية لا يُقصد بها أن تحدث بين عشية وضحاها.

التشافي الذاتي ضروري لرفاهنا العام وللعيش بجودة عالية، إذ يسمح لنا بعلاج أية مشكلات كامنة تؤثر علينا عاطفيًا وعقليًا وجسمانيًا. عندما نبدأ بالتشافي الذاتي ونعطيه الأولوية في أسلوب حياتنا نستطيع وقتها التخلي عن السلوكيات والأنماط السلبية التي نتبعها، وتطوير عقلية إيجابية وتنمية علاقات صحية مع أنفسنا والآخرين.

كذلك، تظهر أهمية التشافي الذاتي في تعزيز قدرتنا على التعامل مع التوتر، وتحسين المرونة وتحقيق السعادة والرضا عن حياتنا عامة. ومن خلال الاستثمار في شفائنا الذاتي نكون قد وضعنا حجر الأساس لحياة ذات زخم ومعنى.

 أهم فوائد التعافي الذاتي:

– زيادة المرونة

– زيادة الوعي الذاتي

– تحسين التحكم بالعواطف

– زيادة الشعور بالتمكين والهدف من الحياة والقيمة الذاتية

– إدراك مفهوم الرفاهية بشمولية أكثر

– قدرة أكبر على إدراك الترابط بين عقلك وجسمك وروحك

التشافي الذاتي

خطوات التشافي الذاتي

قبل البدء بعملية التشافي الذاتي يجب أولًا أن نحدد مصدر الألم. ومن الضروري أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نكتشف أين تكمن جذور المعاناة التي نشعر بها. قد تشمل هذه العملية الاستبطان وسبر أغوار أنفسنا وتجاربنا السابقة ومحاولة تلقي المساعدة من معالج أو كوتش. بمجرد تحديد مصدر الألم، يمكننا بعد ذلك البدء في معالجته.

كذلك، تستطيعين اكتشاف الجروح النفسية لطفلك الداخلي، حيث يمكنك التعرف عليها من خلال اختبار الطفل الداخلي الذي أعددناه سابقًا، وبعد أن تطلعي على نمط الجرح، يمكنك البدء بعملية التشافي من خلال 5 تقنيات مبتكرة لشفاء الطفل الداخلي وتحرير الذات.

اليقظة والتأمل أدوات قوية في رحلة الشفاء الذاتي. تساعدنا هذه الممارسات على تنمية وعينا الذاتي وإلقاء نظرة ثاقبة على أفكارنا ومشاعرنا. عندما نكون حاضرين في اللحظة نستطيع فهم ردود أفعالنا تجاه المواقف التي تحدث لنا، وتعلم الاستجابة بطريقة أكثر إيجابية وإنتاجية.

تساعد الأنشطة البدنية والتمارين الرياضية أيضًا في عملية الشفاء الذاتي. فالتمارين الرياضية تطلق هرمون الإندورفين، الذي يحسن مزاجنا ويخفف من أعراض الاكتئاب والقلق. لمن الضروري العثور على أنشطة بدنية نستمتع بها وإدراجها ضمن أسلوب حياتنا أو روتيننا اليومي.

للغذاء تأثير كبير على صحتك النفسية والعاطفية. دعم الجسم بالغذاء الصحي يسهم في تزويدنا بالعناصر الضرورية لأداء وظائفنا بالطريقة الأمثل. كما يؤدي الالتزام بنظام غذائي متوازن إلى تحسين مزاجنا ورفع طاقتنا وخفض أعراض القلق والاكتئاب.

من الجائز أن يكون لوجود نظام دعم قوي دور مهم للغاية في رحلة الشفاء الذاتي. وقد يتضمن ذلك التواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو الكوتش. ومن الضروري أيضًا أن نحيط أنفسنا بأشخاص داعمين ومتفهمين وإيجابيين.

يبدو للكثيرين خطوة التسامح أصعب الخطوات، ومع ذلك يجب أن تدركي أهميتها الشديدة في عملية التشافي الذاتي. رفض مسامحة الآخرين والتمسك بالضغينة والحقد يعيق تقدمنا نحو الشفاء. يساعدك التسامح في التخلص من الطاقة السلبية المخزنة في داخلك والمضي قدمًا نحو مستقبل أكثر إيجابية.

يمكن أن يكون لعقليتنا وموقفنا إزاء الحياة تأثير عميق على رحلة التشافي الذاتي. ولتطوير عقلية إيجابية يجب أن نركز على نقاط قوتنا، وأن نتفاءل بالمستقبل، وتنمية شعورنا بالامتنان لما لدينا. عند تبني موقف إيجابي، يمكننا التعامل مع التحديات بمرونة وثقة.

تدفعنا الحياة السريعة إلى نسيان الراحة وتخصيص الوقت للعناية الذاتية والشخصية. أما الاستراحة والانخراط في نشاطات مفرحة بذات أهمية العمل الجاد لتحقيق أهدافنا. فالعناية الذاتية والراحة مسألتان ضروريتان لرفاهنا، ببساطة يمكن أن يكون مجرد قراءة كتاب أو أخذ قيلولة. وبالتأكيد أخذ إجازة طويلة أو قصيرة أحد أفضل الطرق للراحة دون التفكير في مهامك المهنية وشؤون عملك.

بالرغم من أن عملية الشفاء الذاتي ممكنة، يجب أن نعرف متى نحتاج إلى طلب مساعدة مهنية والتواصل مع كوتش أو طبيب يمدنا بالإرشادات والأدوات التي نحتاجها للمضي قدمًا في رحلة التشافي.

عملية التشافي لا تحدث لمرة واحدة وهي ليست بالحل السريع. إنها رحلة تتطلب الصبر والرحمة الذاتية والمثابرة. إن الانطلاق في هذه الرحلة يعني خوض جميع مساراتها من صعود وهبوط ومن مد إلى جزر. وفي نهاية المطاف لدينا القدرة على تولي هذه المسؤولية الفارقة.

التشافي الذاتي لا يعني أن تنعزلي عن الآخرين تمامًا، إذ من الضروري وجود نظام دعم وطلب التوجيه والمساعدة عند الضرورة. فضلًا عن ذلك، إن خوض رحلة التشافي الذاتي يمكن أن تلهم الآخرين من حولك وتشجعهم للانطلاق في رحلتهم الخاصة نحو العافية والرفاه.

التعافي الذاتي

إليك بعض النصائح لإدراج هذه الخطوات في حياتك اليومية:

– ابدأي يومك بالتأمل صباحًا أو التنفس العميق، يمكنك تلاوة التوكيدات الصباحية الإيجابية في الأثناء.

– امشي بوعي، كوني في اللحظة الحاضرة، لاحظي الموجودات والأصوات والروائح والوجوه دون أن تحكمي عليها، دون أن تَصِفيها، فقط شاهديها كما يوصي المعلم سادغورو.

– حدّدي نيتك لليوم وكيف تريدين أن تشعري في هذا اليوم تحديدًا أو ما الذي تودين تحقيقه. ضعي هذه النية على ورقة بالقرب من مساحتك أو كملاحظة على هاتفك لتتذكريها.

– خذي فترات راحة منتظمة ومجدولة للتحقق من عواطفك وأفكارك وجسمك ونفسك.

– أنهي يومك بممارسة الامتنان وطقوس وقت النوم الهادئة.

التشافي الذاتي رحلة مستمرة نحو تحقيق السلام الداخلي والانسجام مع الذات، في الأثناء نتعلم كيفية التعامل مع المواقف والتحديات والضغوط الحياتية بوعي أكبر، لا من مطارح الألم وعدم الأمان والجروح العاطفية.

ومن خلال إنشاء روتين يومي يشمل الخطوات التي ذكرناها سابقًا، يمكنك بناء أساس متين لاستعادة قوتك الداخلية وتوزانك الطبيعي.

تذكري دائمًا أن الطريق إلى الشفاء يبدأ من داخلك وأن كل خطوة تقومين بها ليست إلا خطوة نحو ذاتك الحقيقية والأصيلة.

المصادر:

المصدر الأول

المصدر الثاني

اقرأ/ي أيضًا:

علاج رعشة الجسم عند التوتر: الدليل الصحيح

ما هي العلاقات السامة في العمل وكيف تتعاملين معها؟

أفضل 9 تمارين عملية للتخلص من التفكير الزائد

تعزيز الثقة بالنفس: 7 تقنيات فعّالة لتكوني امرأة ميتا

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على صورة جسم المرأة