أشعرت بأنك غريبة عن نفسك؟ وإذا نظرت في المرآة لا تتعرفين إلى انعكاسك؟ تعيشين وفق توقعات الآخرين، تسعين إلى كسب احترامهم وودهم ومحبتهم، حتى وإن كان على حساب راحتك وقيمك. وصلت إلى مكان يتلاشى فيه صوتك الداخلي وسط الضجيج، وبينما يصارع للبقاء، يطلق صرخاته، فترتعشين وتخافين، تحاولين كتمه باللامبالاة والانفصال والتجاهل. ماذا لو عرفت أن في داخلك كنوزًا من المعرفة والقوة بانتظار أن تكتشفيها؟ وأن الاتصال مع الذات هو الجسر الذي سيفتح لك بوابة السلام والثراء الداخلي؟
الاتصال مع الذات هو أن تكوني مدركة وداعمة لحاجاتك العاطفية والروحية والجسمية. وأن تكوني مستمعة جيدة لحدسك البدهي، وحاضرة في جسمك، وواعية لتفاعلك مع هذا العالم ومع الأشخاص فيه، وعلى معرفة بما يجعلك تشعرين بالتوازن والرضا.
عندما تكونين متصلة مع ذاتك تضعين أولوياتك في المقام الأول، تستثمرين في وقتك بحكمة، وتعتنين بصحتك الجسمية والعاطفية، تتبنين عادات ملائمة تعبر عن أصالتك وفرادتك. تهتمين بالتعلم وتلقي المعارف، وتجدين الفرح في اللحظات التي تعبر عن ذاتك الحقيقية بصدق.
لا أحد يعيش في حالة اتصال ذاتي طوال الوقت، بيدَ أنه من الضروري تطوير عادات وأسلوب حياة يعززان من هذا الاتصال، ويدعمان إحساسك بالحيوية والامتنان العميق للحياة.
الاتصال مع ذاتك يجعلك المايسترو الضليع بإيقاع عالمه، والقادر على تشكيل لحن الحياة في داخله باستمرار.
تحتاجين إلى الاتصال مع الذات عندما تشعرين بفراغ كبير في داخلك رغم حياتك البراقة ورغم نجاحاتك وإنجازاتك. تبحثين عن السعادة في الخارج، تهربين من ثقل مشاعرك السلبية وتفكيرك الزائد، دون أن تلاحظي سطوة الأفكار والمعتقدات التي تعيقك. ومن علامات الانفصال عن الذات أيضًا هو شعورك بالنقص تقارنين نفسك دائمًا بالأخريات وتجدين نفسك أقل ذكاء أو جمالاً أو نجاحًا.
تجدين صعوبة في الانفتاح على الآخرين والتعبير عن مشاعرك حتى مع أصدقائك المقربين، بالرغم من ذلك تتوقين إلى إبهار الآخرين وتحلمين أحلامًا كبيرة، لكن أسوأ ما في الأمر أنك لا تتخذين أية خطوات جدية لتحقيق رغباتك.
في المقابل، يطوّر الاتصال مع الذات علاقاتك مع الأشخاص، لأنه يجعلك أصيلة وصادقة، وعلاقاتنا ليست إلا مرآة تعكس شخصيتنا. كما يساعدك الاتصال مع الذات على التعبير عن أفكارك ومشاعرك ووضع حدودك بوضوح، فعندما تفهمين مشاعرك ودوافعك ستتعاطفين وتتفهمين مشاعر الآخرين، وبالتالي ستلجئين إلى أدوات ودية وناضجة لحل النزاعات. الاتصال مع الذات يدفعك إلى سبر أغوار نفسك، والتعرّف إليها بعمق وإدراك حدودك، يمنحك القوة للرفض وقول “لا” عند الضرورة، كل ما سبق يضع أسس عميقة لعلاقات صحية وحقيقية.
بالإنصات إلى صوتك الداخلي. الضجيج والصخب يحيطان بك من كل مكان، أصوات الناس، أًصوات الباعة، أصوات محركات السيارات، الأصوات التي تهدر دون توقف على أجهزة الاتصال السمعي والمرئي ووسائل التواصل الاجتماعي. تلوث سمعي وبصري هائل يجعل معه رأسك يلف ويدور.
ننمو ونكبر مع تشكيلات بيئتنا ومجتمعاتنا، كيف نفكر، ماذا نحكي، ماذا نرتدي، ماذا ننجز، بم نؤمن، كيف نتصرف، كيف نحس ونشعر ونعبّر، أصوات تخنقنا وتشدُّ الأغلال على رقابنا.
لمن المنطقي إذًا أن تخفضي صوت الضجيج الخارجي لتسمعي صوتك الداخلي، سيرشدك نحو مصلحتك السامية، والعيش إنطلاقًا من قيمك وحقيقتك الأصلية.
لسماع صوتك الداخلي طلبًا للإرشاد، اتبعي الخطوات التالية:
قد لا يحدث ذلك من أول مرة، خصوصًا إن كنت لا تتواصلين مع ذاتك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف تعلمين أن هذا الصوت هو صوتك الداخلي وليست أفكارك المشوشة؟ صوتك الداخلي يأتي من صدرك، لا من رأسك.
الخلوة هي أحد أفضل طرق الاتصال مع الذات، خصصي الوقت للجلوس مع نفسك يوميًا، حتى بوجود المشتتات. راقبي أفكارك ومشاعرك ولا تحاولي السيطرة عليها. اسألي نفسك عما تحتاجينه وجسمك ما الذي يرغب به؟ حاولي أن تكوني حاضرة في اللحظة، راقبي الأشياء من حولك دون أن تسمية أو وصف.
يشير المعلم الروحي سادغورو بأن الجلوس والأعين مغلقة يساعد على تهدئة العقل وتصفية الرواسب العالقة فيه. أما الانتقال من التفاعل الحسي مع العالم الخارجي إلى التركيز على العالم الداخلي يسمح بفهم أعمق للذات وتحقيق السلام الداخلي.
قضاء الوقت في الطبيعة من أبرز العادات التي يجب أن تتبناها المرأة ضمن أسلوب حياتها. الطبيعة هي الموطن والموئل والحضن الوافر بالعطايا. وهي أفضل وسيلة للتواصل مع ذاتنا والتناغم معها. تخفف الطبيعة من التوتر والقلق، وتساعدك على تأمل أفكارك ومشاعرك ورغباتك، مما يفضي إلى أن ترسو على السطح بوضوح قيمك وحتى هويتك.
إن التواصل مع الطبيعة يثير في النفس ما هو عميق وعظيم، إنه تواصل روحاني ينطلق من الذات إلى ما هو أبعد منها. يوجد حبل سري بين المرأة وأمُنا الطبيعة متى فقدتها تيّتمت، وأنّى احتضنته هَنئت وشعرت بالطمأنينة والانتماء.
بعض الممارسات التي يمكنك أن تبدئي بها:
إن تدوين أفكارك ومشاعرك وسيلة في غاية الأهمية للتواصل مع الذات وتحسين الصحة النفسية. فالتدوين يخلق لك مساحة آمنة لتعبري عن مشاعرك وأفكارك دون خوف من الأحكام.
عندما نكتب عن تجاربنا، ننشط مناطق في الدماغ مرتبطة بالتفكير التحليلي والعاطفي، وبالتالي نصبح قادرين على فهم أنفسنا بطريقة أكثر عمقًا ووضوحًا. يمكنك القول بأن الكتابة أيضًا تشبه عملية التحدث مع صديقة مقربة، فيكشف لك الحوار عن مشاعرك الحقيقية ولماذا تشعرين بها، ثم ما تلبثين أن تعثري على مصادر القلق والسعادة. من جانب آخر تساعدك الكتابة على تنظيم أفكار العشوائية، عندما تضعينها على الورق أمامك تستطيعين التمعن فيها من زوايا مختلفة، فيسهل عليك اتخاذ قرارات متوازنة.
كتابة يومياتك باستمرار يمنحك وعيًا أعمق بذاتك وقدرة أكبر على اتخاذ القرارات التي تعبر عن أصالتك، وتصبح أداة للتطور الشخصي والنمو العاطفي والفكري.
من الضروري تغيير نمط الحوار مع الذات، وتحويله من النمط الانتقادي إلى النمط التشجيعي الداعم. احتفظي بصورة لك وأنت صغيرة، انظري إليها وتأملي تلك الطفلة، ماذا ستخبرينها؟ ما العبارات التي تحتاج إلى سماعها؟ وما الأفكار الإيجابية المُحبة التي يجب تكوّنها عن نفسها.
سجّلي لنفسك على دفتر خاص بك تأكيدات تلائم شخصيتك وردديها يوميًا، مثل “أنا كافية” أو “أنا أستحق السعادة والنجاح” أو “أنا بأمان ومحبوبة” وما إلى ذلك، تساعد هذه العبارات على إدراك قيمتك الذاتية وتعزيز ثقتك بنفسك.
لا يقتصر الاتصال مع الذات الاستماع إلى حاجاتك ورغباتك، وإنما أيضًا التعرّف إلى مسببات إنزعاجك. إن المشاعر السلبية التي تنتابك تحمل رسائل لك، وهذه الرسائل غالبًا ما تشير إلى المواطن غير المتشافية في نفسك وتحتاج إلى التعافي.
استجمعي شجاعتك وغوصي في تلك البئر العميقة، واجهي مخاوفك، واكتشفي ما يكمن في أعماقها. عندما تعثرين على الحبل وتمسكين بطرفه ستتمكنين غالبًا من الوصول إلى نهاية طرفه الآخر، كل ذلك يعتمد على شجاعتك وعزيمتك.
يقول أحد الحكماء: لديك في اليوم ألف مشكلة، لكن عندما تمرض تصبح لديك مشكلة واحدة. في الحقيقة الطريقة التي تعتنين فيها بجسمك وصحتك تكشف عن علاقتك بنفسك ومدى تقديرك ومحبتك لذاتك.
يتواصل جسمك معك باستمرار من خلال إشارات عديدة كالمشاعر والأحاسيس أو العوارض الصحية ليوصل لك بعض الرسائل. فمثلًا عندما تكونين مع شخص مناسب ستشعرين بالراحة والطمأنينة، ستتفتح خلاياك مثل بتلات الوردة، أما إذا التقيت بشخص لا يناسبك فإن جسمك وبالأخص جهازك العصبي سيدرك ذلك قبل أن تدركي ذلك بعقلك. ستشعرين بالانقباض في مكان ما، أو ستتهربين لا شعوريًا من التواصل البصري.
الاستماع إلى جسمك وتطوير هذه اللغة يربط بينكما أواصر الثقة والاحترام. مع كل قرار تتخذينه أو موقف تجدين نفسك فيه، اسألي جسمك عما يشعر به، وانتظري إجابته الصادقة.
معظم الناس لا يدركون بالفعل قوة التأمل، إنه أحد أهم التمارين للتواصل مع الذات. يمكنك البدء بخمس دقائق فقط يوميًا، ثم ستجدين نفسك ترغبين بقضاء وقت أطول في التأمل. يمكنك الحصول على تأملات من اليوتيوب، أو مراقبة أنفاسك فقط والشعور بجسمك.
تكمن أهمية التأمل في أنه يجعلك قادرة على مراقبة جسمك وأفكارك. هل سمعت المنشور الذي راجَ على الانستغرام وفحواه “إذا كنت أستطيع مراقبة أفكاري، فمن هذا الذي يراقب أفكاري؟”. بالضبط هذا هو، عندما تستطعين وضع مسافة بينك وبين أفكارك ومشاعرك ومراقبتها، فإنك سترين الحياة بطريقة مختلفة. عندما تضعين مسافة بين ما هو أنت وأفكارك ومشاعرك ستتحررين من جزء كبير من مخاوفك، وستقدمين على الحياة بخطى واثقة وثابتة أكثر.
لا يمكن الانطلاق نحو سفر التغيير دون الاتصال مع الذات، فمن خلال فهم رغباتنا وقيمنا نستطيع أن نعيش حياة تشبهنا وتعبر عن أصالتنا. عندما نولي الاهتمام اللازم لذواتنا، سواء من خلال التأمل أو التواصل مع الطبيعة أو الإبداع نكتسب القوة والحكمة لمواجهة التحديات بثقة، إلى جانب اتخاذ قرارات تتماشى مع أهدافنا وتغني رحلتنا نحو النمو والارتقاء. في النهاية، الاتصال مع الذات هو المفتاح للكشف عن صوتك الداخلي الحقيقي، وعما ترغب ذاتك في تحقيقه في هذه الحياة، إنه طريقة للعيش بوعي، ولمن الحكمة أن يكون جزءًا من أسلوب حياتك.
هل تستخدم هذه الكلمات؟ 7 جمل تدل على عدم تقدير الذات
مهارات تطوير الذات: رحلتك لبلوغ القمر تبدأ من هنا
يختبر كثيرون منّا الحب من طرف واحد. ويجد البعض طريقه بعد أخذ ورد وصد، لكن…
أن تشعري بالخوف، بالتوتر، بالعجز، بالذنب، بالألم، أن يختفي صوتك في عَتْمِ الظلم، أن تتساءلي…
تعكس اللغة التي نتحدث بها مع أنفسنا تقديرنا لذواتنا، فهي النافذة التي ننظر بها إلى…
تخيلي نفسك تجلسين على سجادة صغيرة في مكان هادئ تفضلينه، ربما حقل ورد أو شاطئ…
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…