ملف التحرش الجنسي ورحلة تشافي ديمة من الصمت إلى المواجهة (1)

أن تشعري بالخوف، بالتوتر، بالعجز، بالذنب، بالألم، أن يختفي صوتك في عَتْمِ الظلم، أن تتساءلي ليلًا ونهارًا: لماذا حدث هذا لي؟ ماذا أفعل الآن؟ كيف أتحرر من وطأة الألم؟ تعلمين تمامًا أن التحرش الجنسي ليس مجرد حادثة عابرة، بل جرح قد يرافقك دهرًا، يترك ندوبه في الجسم وعواصفه في النفس. لكن القصة لا تنتهي هنا، ماذا لو وُجدت أبواب مفتوحة على بيادر الأمل؟ ماذا لو تمكنت من استعادة صوتك وقوتك وحريتك؟ إنها ليست مجرد أسئلة وإنما بداية لرحلة الشفاء.

إحصائيات حول التحرش الجنسي

التحرش الجنسي وباء عالمي يطال النساء والرجال والأطفال، ولا يقر بدين أو بعمر أو بجنس. ففي الاتحاد الأوروبي، تعرضت نصف النساء للتحرش في العمل، وفي آسيا تصل النسبة إلى 40%. في أمريكا تعرضت 83% من الفتيات تتراوح أعمارهن بين 12 و16 عامًا للتحرش في المدارس. أما الشوارع والأماكن العامة هي ميادين سائبة للمتحرشين، إذ تعرضت 80% من الجزائريات للتحرش وفق أخبار إرم، و83% من المصريات للتحرش، ونصفهن يوميًا وفق تقرير جمعية معهد تضامن النساء الأردني، الذي كشف أيضًا أن 16% من النساء العاملات في السعودية يواجهن التحرش في أماكن العمل، بينما تصل النسبة إلى 30% في لبنان.

في العالم العربي، كشف تقرير الباروميتر العربي لسنة 2019 أن نسب التحرش بالنساء بلغت 63% في مصر، 55% في المغرب، 50% في السودان، و44% في اليمن، مع أرقام مرتفعة في الجزائر 39% وفي العراق 35% وفي الأردن 33% وفي فلسطين 31% وفي لبنان 29% وفي ليبيا 25% وفي تونس 14%.

أما التحرش بالرجال وفقًا للتقرير ذاته، يسجل العراق النسبة الأعلى بـ 42%، تليه مصر والسودان بـ 27% وفي الجزائر 24% وفي لبنان 22% وفي اليمن 21% وفي فلسطين 19% وفي المغرب 16% وفي تونس 16% وفي ليبيا 15% وفي الأردن 11%.

في حين أن الأرقام صادمة بشأن التحرش بالأطفال، إذ كشفت جريدة الرياض بأن 22.5% من الأطفال في السعودية تعرضوا للتحرش، وغالبًا من أشخاص مقربين. كما يشير تقرير اليونيسف إلى أن واحدة من كل 8 فتيات تعرضت للاغتصاب أو التحرش قبل أن تبلغ 18 عامًا، ومع أشكال الإساءة الأخرى، يرتفع العدد إلى 650 مليونًا. بات التحرش أزمة أخلاقية عالمية، والضحية غالبًا ما تترك وحدها لمواجهة الصدمة واضطراباته اللاحقة.

ما هو التحرش الجنسي؟

التحرش الجنسي (Sexual Harassment) هو أي سلوك لفظي أو جسدي يجعل الشخص يشعر بالإهانة أو الترهيب أو الإذلال. قد يكون التحرش الجنسي حادثة لمرة واحدة أو سلوكًا متكررًا، وقد يحدث بين شخصين من الجنس ذاته أو من جنسين مختلفين.

يمكن أن تتعرض النساء للتحرش في أماكن مختلفة مثل المنزل أو المدرسة أو العمل أو وسائل النقل العامة والخاصة. في بيئة العمل، قد يكون المتحرش هو صاحب العمل أو المدير أو الموظف أو العميل، يُقدِم على سلوك غير لائق يجعلك تشعرين بأنكِ في بيئة معادية وغير مريحة.

بعض المضايقات البسيطة أو التعليقات المرتجلة غير محظورة قانونيًا، على خلاف المضايقات المتكررة التي تخلق بيئة عمل سامة وغير مريحة، ومن الجائز أن يتأتى عنها قرار مجحف مثل تخفيض راتب الضحية أو نقلها أو إقالتها. 

تشمل سلوكيات التحرش الجنسي بعض الأنواع التالية، على سبيل المثال لا الحصر:

  • اللمس غير المرغوب فيه مثل الاحتكاك أو المداعبة.
  • التعليقات أو النكات ذات الطابع الجنسي.
  • سلوك ذو إيحاءات جنسية كالتحديق أو الإشارات أو الإيماءات.
  • إبداء تعليقات جنسية حول اللباس أو المظهر.
  • الطلبات المتكررة للخروج في موعد.
  • الإلحاح لممارسة الجنس.
  • محاولة الاعتداء الجنسي.
  • عرض صور أو فيديوهات مسيئة.
  • إرسال رسائل تحمل إيحاءات أو عبارات جنسية.

فهم استجابة الجسم عند التعرض للخطر أو للاعتداء الجنسي

ربما أغلبنا على دراية باستجابة «القتال أو الهروب» وهي رد الفعل الأساسي للجسم عند مواجهة خطر ما، لكن في الحقيقة توجد خمس استجابات غريزية تهدف إلى حمايتنا والحفاظ على بقائنا. هذه الاستجابات تلقائية وغريزية، وتشمل:

  • القتال (Fight): وهي محاولة الدفاع عن النفس جسمانيًا أو لفظيًا من خلال المقاومة أو الرفض أو التحدي.
  • الهروب (Flight): تحاول الضحية الابتعاد عن مصدر الخطر بالفرار أو الاختباء أو التراجع.
  • التجمد (Freeze): وهي استجابة شائعة، خاصة عند الأطفال، كما يشير الدكتور غابور ماتيه. عندما يكون الدفاع غير ممكن، قد يتوقف الجسم عن الحركة تمامًا، مثلما تفعل بعض الحيوانات التي تتظاهر بالموت لتجنب الخطر.
  • الارتخاء (Flop): استجابة تلقائية يصبح فيها الجسم رخوًا تمامًا، حيث تفقد العضلات توترها لخفض الإحساس بالألم. في بعض الحالات، قد ينغلق العقل جزئيًا أو كليًا كآلية دفاعية ضد الصدمة.
  • المصادقة أو التودد (Fawn/Friend): استمالة المعتدي أو محاولة كسب تعاطفه بهدف تقليل الأذى المحتمل. قد يظهر ذلك من خلال الاسترضاء أو استمالة الطرف الآخر عبر بناء علاقة معه. إن هذه الاستجابة، مثل غيرها، لا تعني القبول أو الموافقة، بل هي آلية للبقاء.

يتبنى جسمنا إحدى هذه الآليات عند مواجهة خطر ما، ويختار أحدها نظرًا للموقف وظروفه، كما يلعب عمر الضحية دورًا في اختيار الاستجابة المناسبة، فالأطفال غالبًا ما يستجيبون بالتجمد لضعف إمكاناتهم في الدفاع عن أنفسهم.

آثار صدمة التحرش الجنسي على المرأة

تؤكد العديد من الدراسات الأكاديمية إلى وجود علاقة بين التحرش الجنسي وتداعي صحة المرأة نفسيًا وجسمانيًا واجتماعيًا.

على مدى العقدين السابقين أصدر الباحثون نحو 200 دراسة توثق طبيعة وشدة الضرر الذي يلحقه المتحرش بالنساء، وكانت الآثار المترتبة عن التحرش ما يلي:

  • تداعي الصحة النفسية.
  • اضطرابات الاكتئاب والقلق.
  • زيادة تعاطي الكحول.
  • اضطرابات الأكل.
  • أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

أظهرت دراسة في الولايات المتحدة سنة 1997، اعتمدت على عينة عشوائية كبيرة، أن النساء اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي كن أكثر عرضة بشكل كبير للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة واضطراب الاكتئاب الشديد مقارنة بالنساء الأخريات.

وفي دراسة حديثة قام باحثون من كلية الطب بجامعة بيتسبرغ باختيار 304 امرأة غير مدخنة، تتراوح أعمارهن بين 40 و60 عامًا من المجتمع المحلي، وسجلوا قياسات ضغط الدم والوزن والطول. أفادت سيدة من كل خمس نساء بتعرضها لاعتداء جنسي أو تحرش في مكان العمل. ووجد الباحثون أن النساء اللاتي تعرضن لهذه الصدمات كن أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم والأرق وأعراض الاكتئاب والقلق.

توضح الدكتورة نيكيشيا هاموند، وهي أخصائية علم نفس مشهورة ومدربة تنفيذية، أنه قد يصعب على الضحية التعامل مع صدمة التحرش الجنسي، فيصاب الجسم بالإرهاق. وتضيف: “نسمي ذلك بالجسدنة (Somatizing)”، حيث تعاني الصحة النفسية من الإرهاق لدرجة لا يستطيع الشخص استيعابها، أو الاعتراف بتعرضه للصدمة أو أنه يعاني من الاكتئاب. يقوم الشخص بالإنكار، ومع استمرار الإنكار تتحول الأعراض النفسية إلى أعراض جسمانية”.

ومن الجائز أن تشمل هذه الأعراض آلام العضلات والصداع وحتى مشكلات صحية مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم واضطرابات سكر الدم. كما تشير نيكيشيا هاموند إلى احتمال الإصابة بمشكلات في القلب على المدى الطويل.

تشمل بعض آثار الصدمة الجنسية الألم المزمن في الحوض والظهر وفقًا للأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة. بالإضافة إلى الصداع ومتلازمة القولون العصبي والخلل الجنسي وارتفاع ضغط الدم وارتجاع المعدة. وقد تنشأ هذه الأمراض بسبب الضغوط النفسية التي تتحول فيما بعد إلى أمراض فيزيولوجية. 

كما وجدت الباحثتان ليليا كورتينا ولويز فيتزجيرالد بأن بعض الدراسات أظهرت العلاقة بين التحرش الجنسي والصحة الجسمية، وتتمثل آثاره في الصداع والإرهاق ومشاكل في النوم والمعدة وصعوبة التنفس، مع الشعور بآلام عضلية وفقدان أو زيادة الوزن.

جاء في دراسة أعدتها كريمة ميروح، بعنوان “مقاربة سيكولوجية للتحرش الجنسي وتداعياته النفسية”، لطالما أدى التحرش الجنسي إلى قمة انسحاق آدمية الضحية وانتهاك كرامتها، ويتجسد ذلك من خلال إحساسها بالقهر، وباعتداء الآخر عليها، فتصاب بالاكتئاب والاستسلام والإنزواء عن المجتمع وفقدان الثقة والشعور بالدونية، وقد تظهر آثاره في صور عدوانية تنعكس في رغبة الانتقام والتشفي من المعتدي.

كما يوجد تزايد ملحوظ في تناول جسامة الأمراض النفسية والعضوية الناتجة عن التحرش الجنسي من قبل بحوث عديدة، التي أجمعت على أن هذه الأضرار تتراوح بين الاكتئاب والأرق إلى تعاطي المخدرات ومشاكل الصحة الجسمية أو العقلية وصعوبة المحافظة على العلاقات. ويشير موقع عرب ثيرابي إلى أن العزلة الاجتماعية أو الانسحاب الاجتماعي أو الانطواء على النفس وفقدان الثقة من من أبرز الآثار النفسية والاجتماعية التي قد يعاني منها ضحايا التحرش الجنسي.

حكاية ديمة: كسر القيود الداخلية ومواجهة الخوف

في أحد أحياء دمشق، وفي تسعينيات القرن الماضي، وجدت ديمة نفسها عاجزة أمام لمس غير مرغوب به في أكثر أماكن جسمها خصوصية. رغم أن جسمها الصغير كان يصرخ “لا”، إلا أن الكلمات لم تجد لها مخرجًا. لم تستطع ديمة أن تصرخ، لم تقدر على الهرب، لم تجرأ على أن تخبر أحدًا.

رافقت ديمة مشاعر الخوف والحزن والوحدة، ولم تجرؤ لا على الصراخ في وجه المتحرش أو الإفصاح لعائلتها عن الانتهاكات التي تعرضت لها. «لو عرفت أن هذا الفعل خاطئ أو سيئ لكنت حاولت قول لا .. لا أريد». هكذا وصفت ديمة إحساسها بعد سنوات طويلة. وأضافت: «من الضروري توعية الطفل عن حدود جسمه وما هو التحرش، وكيف يمكن أن يحمي نفسه، وماذا يجب أن أقول إذا تعرض لموقف مزعج. كما يجب على الأهل خلق بيئة آمنة وداعمة للطفل، فيها يستطيع مشاركة تجاربه دون خوف من أي نقد أو تهديد. ينبغي أن يشعر الطفل بوجود منظومة دعم في المنزل تدافع عنه وتحميه، وتعزز شعوره بالقوة والقدرة على حماية نفسه. ولأني كنت أشعر بخلاف ذلك آثرت الصمت».

إن الأطفال الذين لا يتلقون توعية عن خصوصية أجسامهم، غالبًا ما يجدون أنفسهم في حيرة أمام الانتهاكات، غير مدركين أنهم ضحايا، بل يلجؤون إلى لوم أنفسهم، ويمتلكهم الشعور بالعار والخجل وفقدان الثقة بالنفس وتقدير الذات.

تترك الصدمات أو الحوادث المؤلمة ندوبًا عميقة تظهر بطرق غريبة ومثيرة للاهتمام، فقد يدفع التحرش الجنسي إلى تطوير أنماط حماية مختلفة، منها استرضاء الآخرين (Fawn Response)، وهو سلوك يتولد لتجنب الأذى والشعور بعدم الأمان.

تقول ديمة: «أصبحت حذرة جدًا في التعامل مع الشباب، أنظر إليهم نظرة سلبية باستمرار. في الوقت ذاته، كنت أسعى إلى نيل رضاهم حتى على حساب قيمي وأفكاري ومبادئي. لم أكن أبدًا راضية عن هذا السلوك، لكني لم أستطع منعه»، ثم أضافت: «في فترة معينة اجتاحتني مشاعر الحزن، افتقدت وجود من يحتضنني أو يساندني. كنت أبحث عن شخص يعوضني، لكن اختياراتي كانت دائمًا خاطئة».

في أثناء حديث ديمة عن حكايتها، كرّرت مفردات الخوف والحزن والعار والخزي، وهي مشاعر شائعة بين الناجيات من التحرش، ولا سيما في المجتمعات العربية التي تلقن الفتاة الشعور بالعار بدلًا من محاسبة الجاني.

أكدت ديمة: «شعرت بالخزي والعار والخوف، لكن أكثرها سيطرة عليّ هو التوتر الدائم، لم أستطع التخلص منه حتى اليوم». يشير هذا التوتر إلى أن الجسم لا يزال يحتفظ بالصدمة (trauma stored in the body)، وهذا يتطلب تقنيات خاصة لتحريرها، مثل اليوغا وتمارين التنفس، والتأمل الحركي (Somatic practices)، والتعاطف مع الذات.

«الإطلاع على تجارب الآخرين ساعدني على فهم ما حدث لي، ولماذا حدث، وكانت تلك بداية رحلتي نحو التشافي. وحبي للرقص والرياضة وممارستهما باستمرار منحاني القدرة على بناء ثقتي بنفسي. وأجد راحة في مشاركة أفكاري بصدق مع أصدقائي».  

حتى اليوم، اختارت ديمة خوض رحلة التشافي وحدها، مستعينة ببحثها الذاتي وتحليلها العميق، وهذا ما يعكس قوة داخلية حقيقية، لكنه يجعل الطريق أكثر وعورة بغياب دعم مختص. واللافت كيف للجسم أن يقودنا نحو أدوات تعافيه، فهل كان اختيار ديمة للرقص والرياضة محض صدفة؟ فالحركة من أقوى الوسائل في تحرير الصدمات، وقد استطاعت ديمة من خلالها إعادة علاقتها مع ذاتها، والإصغاء إلى حاجاته بطريقة صحية.

ماذا لو استطاعت ديمة العودة بالزمن إلى الوراء لمواساة تلك الطفلة الصغيرة التي تشعر بالخوف والحزن والعار، ماذا تقول لها؟ «لا تخافي أنا معك وأنا بجانبك، أنت قوية وبإمكانك منع أي أحد من إيذائك. أنت لست مخطئة، بل شجاعة. ستتجاوزين هذه التجربة وما يليها، فالحياة ليست إلا تجارب ودروس نتعلم وننمو من خلالها».

أدوات الشفاء وتخطي التحرش الجنسي

ما من شك بأن التواصل مع اختصاصي صحة نفسية هو أحد أفضل الطرق للشفاء من التحرش الجنسي، أما إن كنت غير قادرة على التواصل مع جهة مختصة، ولأي سبب من الأسباب، يمكن للتقنيات الآتية مساعدتك على نحو ملحوظ.

 لمن الضروري أن تقومي بمشاركة تجربتك مع شخص موثوق سواء أكان أحد أفراد عائلتك أو صديقة مقربة أو حتى زميل، لتوفير الدعم العاطفي الذي تحتاجينه. التحدث عن الواقعة يجعلك تحررين مشاعرك ويقلل من الشعور بالوحدة. يؤكد مجلس المهن الصحية والرعاية في المملكة المتحدة (HCPC) على أهمية طلب الدعم من الأفراد الموثوق بهم أو المنظمات المهنية عند التعامل مع سوء السلوك الجنسي.

الاستماع باحترام وتعاطف واهتمام يمكن أن يكون علاجًا في بعض الأحيان. خلافًا لذلك، فإن الاستجابات التي قد يبديها الطرف المستمع وتتسم باللوم أو عدم التصديق أو حتى استجابة غير مدروسة يمكن أن تزيد الطين بلة.

لقد ثبت فعالية الكتابة عن التجارب المؤلمة المعروفة بالكتابة التعبيرية، إذ تقدم فوائد صحية وعاطفية وجسمية كبيرة. يشير بحث منشور على «Cambridge University Press»  إلى أن الأفراد الذين يشاركون في الكتابة التعبيرية عن الأحداث المؤلمة يشهدون نتائج صحية جسمية أفضل ومستويات توتر أقل، وتحسن في الحالة المزاجية العاطفية والرفاهية النفسية.

ابحثي عن مكان هادئ وخصصي مدة 15-20 دقيقة ولأيام متتالية لتكتبي بحرية عن أفكارك ومشاعرك حول التجربة. تساعد الكتابة في تحرير وطأة المشاعر والمساهمة في تخطي التحرش الجنسي.   

تشمل العناية بالذات جوانب عديدة جسمانية وعاطفية ونفسية. يحدث التشافي عندما تُولي اهتمامًا حقيقيًا للعناية بالذات لتعزيز قوتك الداخلية وشعورك باستحقاق الحب والتقدير، وخلق مساحة للقبول بدلًا من مقاومة الألم. ابدئي بتجربة هذه التقنيات:

يجب أن تتوقفي عن لوم ونقد ذاتك وإطلاق الأحكام عليها. كوني لطيفة مع نفسك، عامليها كصديقتك المفضلة، ضمدي جروحها وامسحي دموعها وقولي لها تأكيدات تعزز من أمانها وثقتها بنفسها، مثل: أستحق الحب والاحترام، أنا كافية، من كل تجربة أمرُّ بها أتعلم وأنمو أنا بأمان وأنا محبوبة.

أن تضعي نفسك أولوية وتحققي رغباتك حتى لو كانت بسيطة، ترغبين بالاستلقاء في حوض حمام مليء بالفقاقيع اغطسي في الحوض، ترغبين في قراءة كتاب، اجلسي في مكانك المفضل وافتحي الصفحات. احصلي على قصة شعر جديدة، ضعي عطرك المفضل، دللي نفسك بطريقتك الخاصة.

تناولي طعامًا صحيًا لتمنحي جسمك القوة للقيام بوظائفه وتعززي المناعة لمحاربة الأمراض. مع جسم عليل سيبهت مزاجك وتتظلل مشاريعك. أضيفي حصة من الفاكهة والخضار يوميًا إلى وجبة غذائك، وخففي من الوجبات غير الصحية، وتأكدي من تناول وجبة الإفطار صباحًا.

يعاني معظم ضحايا الصدمات من مشاكل النوم، وقد يسبب لك الإحباط والإزعاج عندما تستيقظين ولا تتمكني من النوم مجددًا، عندما يحدث هذا تفادي الشعور بالغضب من نفسك، اشغلي نفسك بأمر ما إلى أن تشعري بالنعاس مجددًا. قبل الخلود إلى النوم جربي الاستماع إلى موسيقى هادئة، أو التخيل أنك في مكان تحبينه مثل شاطئ بحر أو حقل ورد أو غابة تنصتين فيها إلى صوت العصافير.

تمدك التمارين الرياضية بالقوة وتجعلك تعيدين التواصل مع جسمك مرة أخرى، فضلًا عن تحسين صحتك ومساعدتك في النوم على نحوٍ أفضل. تميل بعض الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش إلى تعلم فنون قتالية للدفاع عن النفس. أما الرياضات التي تتطلب تركيزًا كاملًا على الجسم مثل رفع الأثقال والجري والسباحة تساعد على إعادة الاتصال بالجسم، فالتحكم بالقوة الجسمانية يعزز الإحساس بالاستقلالية والسيطرة.  

تساعد اليوغا ممن تعرض للتحرش الجنسي في استعادة الاتصال بأجسامهم، ولا سيما الذين يشعرون بالخدر أو الانفصال نتيجة الصدمة. بعد الاعتداء يبقى الجهاز الحوفي في حالة يقظة مفرطة مما يؤدي إلى توتر مستمر واستجابات دفاعية حتى في حالة غياب الخطر. تساعد اليوغا في تحرير الطاقة والتوتر المخزنين في الجسم، وتخفيف آثار الصدمة الطويلة الأمد. مع ممارسة اليوغا ينعم جهازك العصبي بالتوازن من جديد، وتشعرين بالراحة والأمان الداخلي. 

نؤمن في منصة امرأة ميتا – المرأة الواعية بذاتها، أنه لديك القدرة على التغيير، والأدوات لتعبري من ضفة “لماذا حدث لي هذا؟” إلى ضفة “أتقبل ما حدث وأمضي نحو الشفاء“. إن الشفاء وتخطي التحرش الجنسي عبارة عن رحلة، قد تشعرين فيها بالوحدة أحيانًا، لكنك لست وحدك. توجد آلاف الفتيات الشجاعات اللواتي اخترن مواجهة الألم واستعادة قوتهن. تذكري قصة ديمة وابدئي بكسر حاجز الصمت، وحرري مشاعرك بالمشي، بالرياضة، بالتواصل، بالرقص. الطريق إلى الشفاء يبدأ بخطوة، وأنت قد التحدي!

المصادر:

لقاء مع ديمة وهو اسم مستعار لفتاة سورية تعرضت للتحرش الجنسي في طفولتها.

كريمة ميروح، دراسة ” مقاربة سيكولوجية للتحرش الجنسي وتداعياته النفسية”.

Rape Crisis England & Wales

Victorian Equal Opportunity and Human Rights Commission

ABC News, Dr. Tambetta Ojong: Sexual harassment and assault affects women’s psychological and physical health later in life

NBC News, Nicole Spector: The Hidden Health Effects Of Sexual Harassment

NPR, Mara Gordon: Sexual Assault And Harassment May Have Lasting Health Repercussions For Women

Louise F. Fitzgerald and Lilia M. Cortina, Sexual Harassment in Work organizations: a View From the 21st

Cambridge University Press, Karen A. Baikie and Kay Wilhelm: Emotional and physical health benefits of expressive writing

Saprea website

اقرئي أيضًا:

هل تستخدم هذه الكلمات؟ 7 جمل تدل على تدني تقدير الذات

رحلة التشافي الذاتي: 10 خطوات لاستعادة توازنك الداخلي

شفاء الطفل الداخلي: 5 تقنيات مبتكرة لتحرير الذات

أفضل 22 طريقة لتعزيز الطاقة الأنثوية المقدسة في داخلك

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على صورة جسم المرأة

metawomanblog

ماريان إسماعيل - كاتبة ومترجمة من سوريا

Recent Posts

الحب من طرف واحد: ثورة كيميائية في دماغك برأي الخبراء

يختبر كثيرون منّا الحب من طرف واحد. ويجد البعض طريقه بعد أخذ ورد وصد، لكن…

3 أيام ago

طرق الاتصال مع الذات وأسرار السلام الداخلي

أشعرت بأنك غريبة عن نفسك؟ وإذا نظرت في المرآة لا تتعرفين إلى انعكاسك؟ تعيشين وفق…

4 أسابيع ago

هل تستخدم هذه الكلمات؟ 7 جمل تدل على عدم تقدير الذات

تعكس اللغة التي نتحدث بها مع أنفسنا تقديرنا لذواتنا، فهي النافذة التي ننظر بها إلى…

3 أشهر ago

أهم 15 وضعية من تمارين اليوغا بالصور (دليل اليوغا وأصوله)

تخيلي نفسك تجلسين على سجادة صغيرة في مكان هادئ تفضلينه، ربما حقل ورد أو شاطئ…

3 أشهر ago

اختبار الطفل الداخلي: ما جرحه وما الذي يحاول أن يخبرك به؟

انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…

4 أشهر ago

شفاء الطفل الداخلي: 5 تقنيات مبتكرة لتحرير الذات

بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…

4 أشهر ago