يختبر كثيرون منّا الحب من طرف واحد.
ويجد البعض طريقه بعد أخذ ورد وصد، لكن البعض الآخر يعيش لشهور أو حتى لسنوات طوال، غارقًا حتى أذنيه، في هذا الحب وميلودراماه.
وهنا لا بد أن نسأل:
هل الحب من طرف واحد هو حب حقيقي؟ أم تعلّق؟ أم هوس؟ أم مجرد وهم؟
لقد أحاط العديد من اختصاصي علم النفس وأطباء الأعصاب وخبراء العلاقات العاطفية بهذه الظاهرة. حتى إن بعض الدراسات العلمية فسرت آليه عمل أدمغتنا عندما نقع في حالة العشق، ولماذا نبقى أسرى هذا الحب بعد الرفض أو الهجر.
في هذا المقال، نغوص في آراء أبرز العلماء والاختصاصيين لفهم:
عندما نُدرك أن الألم العاطفي له جذور كيميائية، نبدأ بالتوقف عن لوم أنفسنا ووسم تجربتنا بالفشل. إنه ببساطة تفاعل بيولوجي مؤقت قابل للتعافي والتخطي.
رأي الدكتور تود غراندي – Todd Grande
يحدث الحب من طرف واحد عندما يشعر الطرف الأول بمشاعر تجاه الطرف الثاني، لكن هذا الأخير لا يبادله نفس المشاعر. في حالة كهذه، ما الذي يجب أن يفعله الطرف الأول؟ هل يستمر في المحاولة أم يتراجع؟ قد يبدو هذا النوع من الحب رومانسيًا في الظاهر إلا أنه مليء بالتعقيدات النفسية والعاطفية.
قد لا يتراجع الطرف الأول عن ملاحقة الطرف الثاني، ويصبح سلوكه أشبه بالمطاردة، مزعجًا مقلقًا وخاليًا من الرومانسية، يدعى هذا السلوك في الأدبيات النفسية بـ «الملاحقة غير المرغوب بها». ونادرًا ما ينتج عن هذا السلوك نتائج إيجابية، بل ينتهي بعواقب وجراح نفسية للطرفين كليهما.
في بعض الأحيان، يستجيب الطرف الثاني بدافع الشفقة أو الفضول وليس بدافع الحب. وغالبًا ما تكون علاقات الحب من طرف واحد بائسة. وذلك لأن الطرف الأول يبدل أقصى جهوده، بينما يشعر الطرف الثاني بالملل أو الانفصال العاطفي.
يعتقد البعض أن تغيير الذات (تحسين المظهر، النجاح، التطوير) قد يُغير من رأي الطرف الآخر، لكن الدكتور غراندي يؤكد أن هذا نادر الحدوث. فغالبًا ما يكون الرفض في البداية مؤشرًا قويًا على غياب الانجذاب العاطفي أو الجسدي.
رأي الدكتور غابور ماتيه – Gabor Mate
يجد الطبيب الكندي غابور ماتيه بأن علاقاتنا في سن الرشد ليست إلا مشاهد مكرّرة من الطفولة. فعندما يحظى الطفل بعلاقة مع والديه تتسم بالتواصل والفهم والقبول والحب، سيبحث عن علاقة مشابهة قائمة على الاحترام والمحبة المتبادلة. أما إذا كان النموذج الذي نشأ فيه مضطربًا، تنعدم فيه تلبية حاجات الطفل من الرعاية والاحتضان والحب والقبول، سيبحث عن هذا النموذج المألوف في المستقبل، وكأن النفس تحاول إصلاح تلك الجروح.
يرى غابور أن دماغ الإنسان يبحث عما هو مألوف، وليس ما هو صحي. لهذا ينجذب أحدهم إلى شخص لا يبادله الحب، فهو يبحث عن ذات الخلل في العلاقة مع أبويه الذين هم مركز ومنبع حبه الأول.
ينطوي الحب من طرف واحد على مطاردة وانتظار وعدم التلقي والسعي لنيل الاهتمام، وجميع هذه الرغبات لا تتلق الإشباع لأن منبع الألم يكمن في الماضي لا الحاضر.
رأي خبير العلاقات ماثيو هسي – Matthew Hussey
يرى الخبير العاطفي والكاتب ماثيو هسي بأن الحب من طرف واحد ليس حبًا، وإنما مجرد وهم لتبرير ملاحقة من لا يبادلوننا الاهتمام نفسه.
يوضح هسي أنه ما من أحد يستحق وقتك إن لم يستثمر فيك. فالعلاقات تُبنى خطوة خطوة، والثقة تُكتسب لا تُمنح. فإذا الطرف الأخر لم يرغب في البناء، فما بينكما تواصل فقط لا علاقة.
ويلفت هسي إلى أن العلاقات ليست سهلة، لكن الجزء الذي تقول فيه “أريد رؤيتك”، ويكون فيه الرد “أريد رؤيتك أيضًا” يجب أن يكون سهلًا للغاية.
تحتاج العلاقة لتنمو وتزدهر إلى شخصين مستعدين لبناء قلعتهما معًا، ويتطلب الأمر جهدًا واستثمارًا، ويحتاج إلى شخصين يرغبان حقًا في ذلك. فالعلاقات لا تُبنى من طرف واحد، بل من شخصين راغبين، ناضجين، مستعدين للعطاء.
الحب الحقيقي يحترم حرية الآخر، وأسمى تعبير عن الحب هو أن تترك من لا يريدك أن يختار طريقه (Let them).
رأي عالمة الأنثروبولوجيا هيلين فيشر – Helen Fisher
وفقًا لهيلين فيشر، عالمة الأنثروبولوجيا، الحب الرومانسي يُفعّل منطقتين أساسيتين في الدماغ: النواة المذنبة والمنطقة السقيفية البطنية، إلى جانب مناطق أخرى. هذه المناطق تُشكل جزءًا من نظام المكافأة، وتُفرز الدوبامين، الناقل العصبي المرتبط بالنشوة، التركيز، والطاقة العالية التي يشعر بها العاشق.
كما تربط فيشر الحب الرومانسي بانخفاض نشاط السيروتونين، مما يفسّر التفكير الوسواسي والمثابرة على تذكر الحبيب والانشغال به.
تُظهر دراسات هيلين فيشر بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن دماغ العاشق المرفوض يُظهر نشاطًا في نفس مناطق المكافأة، مثل المنطقة السقيفية البطنية والنواة المذنبة. وهذا ما يفسّر استمرار الحب لأشهر أو حتى سنوات بعد الرفض.
تفسّر فيشر هذه الظاهرة بأنها استجابة بيولوجية تُعرف بـالاحتجاج العصبي، حيث يرتفع الدوبامين كرد فعل على فقدان المكافأة، وبالتالي يزداد التعلق والشعور بالحنين. كما إن التوتر الناتج عن الهجر يُنشط الدوبامين ويُثبط السيروتونين، مما يُعمّق من مشاعر الحب بدل أن يُطفئها.
تفسر فيشر ذلك بأنه ربما نتيجة استجابة دماغية أخرى مرتبطة بالهجر، وهي رد الفعل العصبي للحصول على مكافأة متأخرة. عندما تتأخر المكافأة المتوقعة، تُطيل الخلايا العصبية نشاطها بانتظار المكافأة. تُعدّ هذه الخلايا العصبية مُكوّنات أساسية لنظام المكافأة الدوبامينية في الدماغ، وهي المسارات المُرتبطة بالحب الرومانسي.
تُقدم هيلين فيشر خطوات عملية قائمة على فهم بيولوجيا الحب:
قد لا يكون الحب من طرف واحد حقيقيًا بالفعل، لكن آثاره على أرواح من ابتلوا فيه حقيقية. ومع المعرفة والفهم، والتعاطف مع الذات، يمكنك حصره في مرحلة مؤقتة تُشفى جروحه بمرور الأيام.
يقول الدكتور غراندي إن الحب الحقيقي يشبه سقالة بناء يجب أن تُرفع من الجانبين حتى تتزن. أما الحب من طرف واحد، فسقالته مائلة، ومصيرها السقوط.
الحب الحقيقي يحترم حرية الآخر، وأسمى تعبير عن الحب هو أن تترك من لا يريدك أن يختار طريقه
(Let them).
طرق الاتصال مع الذات وأسرار السلام الداخلي
ستيفن لابوسير: ما هو الحب؟ ولماذا تنجح أو تفشل علاقاتنا؟
اختبار الطفل الداخلي: ما جرحه وما الذي يحاول أن يخبرك به؟
اختبار الشخصية السامة: اكتشفي إن كنت في علاقة سامة أم لا؟
أشعرت بأنك غريبة عن نفسك؟ وإذا نظرت في المرآة لا تتعرفين إلى انعكاسك؟ تعيشين وفق…
أن تشعري بالخوف، بالتوتر، بالعجز، بالذنب، بالألم، أن يختفي صوتك في عَتْمِ الظلم، أن تتساءلي…
تعكس اللغة التي نتحدث بها مع أنفسنا تقديرنا لذواتنا، فهي النافذة التي ننظر بها إلى…
تخيلي نفسك تجلسين على سجادة صغيرة في مكان هادئ تفضلينه، ربما حقل ورد أو شاطئ…
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…