بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري كارل يونغ، إلا أنه بدأ بالشيوع في السنوات الأخيرة على نحو ملحوظ، فقد حصد هاشتاغ (#innerchild) نحو 1.8 مليار مشاهدة على تيكتوك سنة 2023.
تنبع أهمية هذا الموضوع وضرورة شفاء الطفل الداخلي في أن هذا الجزء الكامن من لاوعيك هو ما سيحدد إلى حدٍ كبير مصير حياتك. فما هو الطفل الداخلي، وما علامات جرح الطفل الداخلي، وكيفية علاج الطفل الداخلي؟
سنتطرق إلى جميع هذه العناوين بالتفصيل وأكثر، وسنضع بين يديك أدوات فعّالة للبدء بعملية شفاء الطفل الداخلي الآن! واحتضانه بكل الحب والدفء الذي يستحقه ليقودك إلى النجاح والسعادة والتوازن النفسي.
“كل إنسان يحمل بداخله طفلًا يريد أن يعيش. هذا الطفل هو ماضيك، وهو أيضًا مستقبلك.”
كارل يونغ
إن كارل يونغ أول من تطرق إلى مفهوم الطفل الداخلي، وقد استعار آنذاك مصطلح الطفل الإلهي “Divine Child” للإشارة إلى جوهر النفس والجزء النقي منه، وفيه يضم الإمكانات الكامنة للنمو الروحي والإبداع. أشار كارل يونغ بأن الطفل الداخلي غالبًا ما يوجد في الظل، ويقصد بالظل جزء من اللاوعي يضم الأجزاء المكبوتة من النفس، بما فيها جروح الطفولة، ولتحقيق شفاء الطفل الداخلي لا بد من تسليط الضوء على هذا الظل.
يعرّف معجم ميريام وبستر الطفل الداخلي على أنه الجانب الطفولي الخفي في شخصية الإنسان، الذي يتميز بالمرح والعفوية والإبداع. وغالبًا ما يرتبط أيضًا بمشاعر الغضب والأذى والخوف الناتجة عن تجارب الطفولة.
إذًا، يمثل الطفل الداخلي الجوانب الطفولية من شخصيتنا وحالتنا العاطفية. ومن خلاله نعبر عن أنفسنا بطريقة إما صبيانية أو ناضجة عندما نواجه موقفًا صعبًا أو صادمًا. كأن تشعرين بالغضب ممن حولك أو من أطفالك دون مبرر، بعد يوم مرهق من العمل.
اقرئي أيضًا: اختبار الطفل الداخلي: ما جرحه وما الذي يحاول أن يخبرك به؟
يشمل التكوين النفسي للإنسان أوجه أو أنماط متعددة. وقد أطلق عالم النفس كارل يونغ على الطاقات التي تسكن داخلنا أو الأنماط اسم “النماذج الأولية”، وأحد هذه النماذج الأولية الأساسية التي يمتلكها جميع البشر هو نموذج الطفل.
من الضروري تعلم التواصل مع هذا الجزء الأكثر حساسية فينا. فعندما نتواصل مع طفلنا الداخلي، نشعر بالإثارة والنشاط والإلهام. وعندما ننفصل عنه، نشعر بالخمول والملل والحزن والفراغ الداخلي.
ربما للمرة الأول تسمعين بأن جرح الطفل الداخلي يؤثر على حياتك بطرق عميقة، وهذه الجروح غالبًا ما تكون متجذرة في تجارب الطفولة المبكرة. يرى الأطفال العالم بأنانية قبل سن الثامنة، ويفسرون الأحداث على أنها ترتبط بهم مباشرة. فإذا ابتعد أحد الوالدين، أو نشأ صراع عائلي، قد يفترض الطفل بأنه السبب في ذلك، مما يعزز في داخله مشاعر الذنب أو عدم الاستحقاق أو الخوف. يمكن أن تبقى هذه التفسيرات الطفولية راسخة عميقًا في داخل الطفل، حتى ولو لم يتذكرها.
تبرز سلوكيات الجرح الطفل الداخلي لدى البالغين أيضًا في مواقف عديدة مثل:
إذا كان الشريك يشعر بنوع من الاكتئاب فقد يحرض هذا فيك مشاعر الرفض أو اللوم، وتفسرين ذلك على عدم الاهتمام أو الافتقار إلى الحب. ومن الجائز أيضًا أن تلومي نفسك كما فعلت تمامًا عندما كنت طفلة.
ومن أخطر نتائج جرح الطفل الخارجي هو اختيار شريك يطابق سمات الأب المجروح/الأم المجروحة مثل الإدمان أو النرجسية، حيث يحاول اللاوعي معالجة آلام الطفولة التي لم تتم معالجتها.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط ردود الفعل المُبالغ فيها إزاء محفزات مثل النقد أو التوتر الاجتماعي بصدمات الماضي، وتعكس الآليات التي طوّرها الطفل عندما تعرض إلى مواقف صادمة.
يقول جون برادشو، كاتب ومستشار أمريكي، ومؤلف الكتاب الشهير “Homecoming”: بأن طفولتنا تصبح الفلتر الذي تمر من خلاله جميع التجارب الجديدة. وهذا ما يفسر سبب اختيار البعض لعلاقات عاطفية مدمرة باستمرار، ولماذا يعيش آخرون حياتهم كسلسلة من الصدمات المتكررة، ولماذا يفشل الكثير منا في التعلم من أخطائه.
يشدّد جون برادشدو أيضًا على أن تجارب الطفولة تؤثر على نحو عميق بطريقة إدراكنا للأمور كبالغين، مما يؤدي بالكثيرين إلى تكرار أنماط محددة، مثل العلاقات المدمرة أو الصدمات المتكررة، في محاولة غير واعية “لإصلاح” الماضي. إن التعرّف على هذه الأنماط هو الخطوة الأساسية لتحطيم هذه الدوائر وتعزيز عملية الشفاء.
توجد ثلاثة أنواع من الصدمات التي يتعرض لها الأطفال من قبل والديه أو من يقدم له الرعاية، وتشمل الإهمال الجسدي والعاطفي والنفسي.
تعرض الطفل إلى الإهمال الجسماني أو سوء التغذية يؤدي إلى نتائج مدمرة، ولا يعني الإهمال الجسماني حرمان الطفل من حاجاته الأساسية كالطعام والمأوى وإنما أيضًا التعرض إلى التحرش الجنسي. ومن نتائج هذا الإهمال السلوكيات التالية:
لا يحصل الطفل على حاجاته العاطفية من الدعم والاحترام والحب، وأيًا كانت الأسباب وراءها فإن عواقب الإهمال العاطفي وخيمة، مثل:
يحدث هذا النوع من الإهمال عندما يفشل الوالدان في الاستماع إلى الطفل ورعايته واحتضانه باعتباره كائنًا بشريًا جميلًا. يشمل هذا الشكل من الإهمال أيًا أو كلًا مما يلي:
ونتيجة التعرض للإهمال والأذى تسكن وعلى نحو عميق مشاعر معينة لدى البالغين، وتتطور لديهم سلوكيات سلبية مثل:
حريٌ بك التعرف إلى علامات جرح الطفل الداخلي إن كنت تودين فعلًا الشفاء والانطلاق بثقة في حياتك. فهل من المعقول ترك جرح طفل ينزف بدلاً من الإسراع في تضميد جراحه وتقبيلها ومواساته. من علامات جروح طفلك الداخلي أن تشعري أو تقومي بالآتي:
اقرئي أيضًا: اختبار الطفل الداخلي: ما جرحه وما الذي يحاول أن يخبرك به؟
نقدم لك تقنيات بسيطة فعّالة يمكنك البدء فيها الآن، وستلاحظين حقًا بالفرق مع أول تقنية، وهي:
الشروع في كتابة رسالة إلى طفلك الداخلي من أقوى وسائل تحقيق الشفاء النفسي، إذ تتيح فرصة التواصل مع ذاتك الصغيرة، وتحرير المشاعر المكبوتة، والاعتراف بجروح الماضي، وتقديم كل الدعم والحب الذي كنت بحاجة إليه في طفولتك.
إليك بعض التوصيات عند كتابة رسالة إلى الطفل الداخلي:
تحثُّ هذه التقنية على تطوير علاقة عميقة ولطيفة مع النفس، ولا سيما الجزء المجروح منه والشائع بـ “الطفل الداخلي”. تهدف هذه التقنية إلى إغداق نفسك بالحب والرعاية التي كنت بأمس الحاجة إليها عندما كنت طفلة – أي كوني أمًا وأبًا لذاتك.
إليك أهم الخطوات:
مثال عملي لاحتضان الذات
تخيلي أنك مررت بيوم عمل مرهق ومشاعر عدم الكفاءة ظهرت على السطح، بدلًا من تجاهل هذا الاحساس أعيدي ضبطه كوالد محب:
إن هذه التقنية تقدم لك الدعم المستمر والرعاية اللطيفة. فهذه الرحلة هي إعادة اكتشاف الحب المكنون في داخلك، إنه غير محدود. اكتشفي هذا النبع الداخلي لحياة متزنة وسعيدة!
إن ممارسة الشغف والإبداع من أفضل السبل لإعادة الاتصال مع طفلك الداخلي، واستكشاف المشاعر المكبوتة. تتيح الأنشطة الإبداعية الغوص عميقًا في داخلك والوصول إلى الجوانب المقموعة أو المهملة.
التعبير الإبداعي وسيلة لفتح حوار مع طفلك الداخلي. وباستخدام هذه الأدوات، يمكنك إعادة الاتصال بذاتك الحقيقية ومعالجة المشاعر المخزنة وبناء جسر نحو الشفاء.
طرق التعبير الإبداعي
يساعد تأمل الطفل الداخلي على إعادة التواصل مع ذاتك الصغيرة لتشفي جروح الماضي وتعززي التعاطف مع النفس. كما يخفف من القلق ويجعلك تشعرين بالفرح والاكتمال. مارسي هذا التأمل بانتظام لبناء علاقة قوية مع طفلك الداخلي.
خطوات التأمل:
ملحوظة: يوجد على الإنترنت ولا سيما باللغة الإنجليزية العديد من التأملات الرائعة لشفاء الطفل الداخلي، إن كنت تودين تأملات باللغة العربية، راسلينا.
تساعد التأكيدات وتقنيات التعاطف مع الذات في تعزيز حب الذات والتشافي العاطفي. كيف ذلك؟ تُبرمج العقل على صحتها، فكل ما تعيده مرارًا وتكرارًا خلال مدة زمنية، سواء أكانت كلمات أو مشاعر، يصبح أكثر قبولًا من العقل الباطن، وبالتالي يؤدي إلى تعديل التصورات السلبية عن الذات واستبدالها بمعتقدات إيجابية. عندما يتكرر التأكيد، يبدأ الدماغ في تكوين مسارات عصبية جديدة تدعم هذه المعتقدات، مما يعزز الثقة بالنفس ويخفف من تأثير التوتر والمشاعر السلبية.
تأكيدات الذات:
اكتبي أو قولي:
التعاطف اليقظ مع النفس:
تُشكّل جروح الطفل الداخلي في عقولنا تصورات مغلوطة وواهمة، عن أمور ومعتقدات نصُّر كل الإصرار على صحتها، هربًا من مواجهة ألم قديم لا يستحق أن نبقى مقيدين لغباره. وعملية التشافي أو التعافي رحلة ضرورية لاستكمال حياة سعيدة ومتوازنة إلى حدٍ كبير. ستشعرين بالاختلاف مع أول رسالة تكتبين فيها لطفلك الصغير، ومع أول كلمة لطيفة تقولينها له، ومع كل موقف تساندين نفسك به. ستضعين قدمك في طريق تحرير الذات، والسعي بجرأة وثقة ومحبة لتحقيق ما تصبو إليه نفسك.
المصادر:
ومصادر أخرى
ألم الدورة الشهرية: تخلصي منه بحكمة الأنثى القمرية
رحلة التشافي الذاتي: 10 خطوات لاستعادة توازنك الداخلي
علاج رعشة الجسم عند التوتر: الدليل الصحيح
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
ما هو الحيوان الروحي؟ يشير الحيوان الروحي في بعض الثقافات الروحية القديمة إلى روح تحمي…
هل تصدقين بأن ألم الدورة الشهرية مجرد فكرة موجودة في رأسك؟ كثيرًا ما قابلت فتيات…
نتساءل ويسأل كثيرون ما هو الحب؟ يرغبون في معرفة إن كان ما يعيشونه من مشاعر…
كثير من النساء والفتيات عالقات مسجونات في شباك وهم الزمن - الماضي والمستقبل، وغير قادرات…
عالمنا .. عالم مليء بالضغوطات اليومية والتحديات النفسية، وللصدمات جذور لها في دواخلنا غالبًا ما…