تعكس اللغة التي نتحدث بها مع أنفسنا تقديرنا لذواتنا، فهي النافذة التي ننظر بها إلى حياتنا والعالم من حولنا. عندما نكرر العبارات السلبية، فإنها تتسلل إلى عقولنا الباطنة، مبرمجة إيانا على الشعور بعدم الكفاءة وفقدان الاستحقاق.
في هذا المقال، سنتناول 7 عبارات شائعة تدل على تدني تقدير الذات أو عدم تقدير الذات، فإذا وجدت نفسك تستخدمينها، فقد حان الوقت لتغيير هذه العادات اللغوية، واكتساب وعي جديد بلغة إيجابية تعزز قيمتك الشخصية. لكن أولًا، دعينا نتعرف إلى تأثير العبارات السلبية على تقدير الذات.
الاعتذار مهم عندما نرتكب خطأ، فمن الشجاعة أن تعتذري والجبناء وحدهم من يتفادون الاعتذار. أما تكرار عبارات مثل”أنا كتير آسفة عم باخد من وقتك” أو “أنا كتير بعتذر ما سمعت التلفون” تشير إلى تدني تقدير الذات.
أما من منظور علم النفس، ينطوي الاعتذار المبالغ به على الأسباب التالية، مثل: آلية تكيف لتجنب الصراع حيث يتبنى هذا الأسلوب شخص نشأ في عائلة يؤدي فيها الخلاف البسيط إلى صراع أو عنف جسدي. كذلك، قد يلجأ آخرون إلى الاعتذار المفرط لحماية أنفسهم من العنف في العلاقة، كونهم تعرضوا إلى عنف في مرحلة الطفولة، أو خاضوا علاقات مسيئة في مرحلة البلوغ. ومن الأسباب الآخرى أيضًا القلق الاجتماعي واضطراب الوسواس القهري والخوف من الرفض والانتقاد.
بدلاً من قول “آسفة لجعلك تنتظر”، قولي “شكرًا على انتظارك أو صبرك”.
وبدلاً من قول “آسفة لإزعاجك”، قولي “شكرًا على وقتك”.
وإذا ارتطمت بأحدهم تجنبي قول “آسفة” وقولي “المعذرة” أو “لم أقصد” فأنت لم ترتطمي متعمدة.
هل تقللين من إنجازاتك وجهودك بقول ” أي شخص يقوم بهذا ” أو عندما يشكرك أحدهم تجيبين “ولا شي” أو “ما في شي محرز” . قد تبدو لك هذه العبارات دلالة على التواضع لكنها في الواقع عبارات عدم تقدير الذات.
استخدام عبارات كهذه لا تدل على التواضع بل تشير إلى الاستخفاف بالنفس، فالتواضع هو عدم التباهي بإنجازاتك أو صفاتك الإيجابية. أما رفض المجاملات أو استخدام لغة قاسية مع نفسك يدل على استخفافك بنفسك. إليك المثال لتوضيح الفرق بين التواضع والاستخفاف بالذات:
صنعت طبقًا من المعكرونة بصوص الكريمة بعد أن تذوقته في المطعم لأول مرة. لم تكن النتيجة مطابقة تمامًا لكنها جيدة. يخبرك زوجك بأن الطبق لذيذ.
ردك المتواضع يكون كالتالي: شكرًا لك، حاولت طهيه بعد أن تذوقته في المطعم، ليس بالمستوى نفسه، لكنه غير سيئ كمحاولة أولى، في المرة المقبلة سيكون أفضل”.
ردك الذي ينطوي على استخفاف بالذات: “أوف سيئ، لا يشبه أبدًا الطبق الذي تناولته في المطعم، الصوص كثيف جدًا، والدجاج قاسٍ للغاية”.
لاحظي كيف أن الاستجابة المتواضعة واقعية، تعيد صياغة الموقف دون انتقاد الذات أو التهويل. عندما تقللين من قدر إنجازاتك أو مبادراتك فأنت تؤكدين لنفسك وللآخرين بأن جهودك لا قيمة لها، وبمرور الوقت يفقدك ذلك ثقتك بنفسك وقدرتك على القيام بأمور مهمة وتحقيق إنجازات فعلية.
ماذا تفعلين في مواقف كهذه؟
عندما يجاملك أو يشكرك أحدهم، استقبلي ذلك استقبلي الشكر والمديح والمجاملة وحتى الغزل. قولي “شكرًا لك” أو “من دواعي سروري” أو “على الرحب والسعة” قوليها بلغتك العامية أو حتى بالفصحى مع ابتسامة “أهلا وسهلا”. استخدميها واشعري بالتغيير بعد فترة قصيرة، انتقلي من عدم تقدير الذات إلى احترام وتقدير الذات.
وفقًا لدراسة أعدتها تالار أغوبيان من جامعة تشارلز -براغ، فإن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض احترام الذات أو عدم تقدير الذات يعزون نجاحاتهم إلى أسباب خارجية مثل القدر أو الحظ أو الصدفة. ومهما حققوا من نجاحات يبقى احترامهم لذواتهم منخفضًا. لا ريب بأن تعزيز الثقة بالنفس مسألة ضرورية لعيش الحياة براحة وتوازن، تستطيعين البدء بخطوات بسيطة، كأن تكفي عن استخدام عبارات مماثلة وتطوير نمط جديد في الحديث مع نفسك وخلق لغة جديدة محفزة.
إذا جاء طفلك الصغير ليريك لوحة رسمها بنفسه، ويشعر بالغبطة والفخر بها، ماذا ستقولين له؟ بشعة مملة عادية! بل ستمدحينه وتشجعينه حتى يعود فورًا إلى مكانه ويرسم رسمة أجمل. من الأجدر أن تولي طفلك الداخلي الرعاية والاهتمام والتشجيع والتقدير ذاته.
لا تنتظري الإنجازات الكبيرة لتصفقي لنفسك، هل طهوت طبقًا لذيذًا امدحي نفسك، هل منزلك مرتب ونظيف اشكري نفسك، هل أنجزت مهامك في العمل صفقي لنفسك.
لقد عملت بجد وتفانٍ حتى وصلت إلى هنا، ولم يكن وليد الحظ أو الصدفة، لذا أعطِ نفسك التقدير الذي تستحقينه.
يحدث أن تتكرم عليك الحياة بمفاجآت سارة وأفراح غير متوقعة، في غمرة هذه اللحظة قد تشعرين فجأة بالانقباض، أو قد تقولين لنفسك “الله يستر”، أو “ما بستحق هالشي”. فأنت داخليًا ونفسيًا لا تؤمنين بأنك تستحقين السعادة أو النجاح أو الحب، لكن الحقيقة: أنت تستحقينها. جميع الناس يستحقون السعادة والفرح.
ابتعدي عن استخدام عبارات تدني تقدير الذات كهذه واستبدليها بعبارات أخرى “بستحق وأكثر” أو “أنا بستحق الخير والسعادة”. الناس يعيشون رحلة طويلة ويتعرضون فيها للقسوة والخيبات والصدمات، وبالنهاية يستحق الناس عيش التجارب الإنسانية بزخمها.
أنت تستحقين السعادة والفرح والحب، اشعري بإثارة النجاح، استمتعي بالمغامرات، استقبلي الأموال واشعري بالامتنان.
تأكيدات يمكنك استخدامها في أوقات مماثلة:
“ما عم أقدر اتحمل” عبارة سورية شائعة، وإحدى عبارت عدم تقدير الذات التي كثيرًا ما نستعملها في المواقف العصيبة والأزمات المرهقة، تحت وطأتها تشعرين بثقل العالم كله يجثم فوق صدرك.
لكن استخدام هذه العبارة تغذي عقلك بفكرة العجز والضعف. لا نقول لك ألا تشعري بالضعف أو الألم لكن لا تغذيها بأفكارك الخاطئة حتى لا تغلقي أمامك الأبواب قبل أن تطئي العتبة.
بدلًا من قول “ما بقدر” ادعمي نفسك بقول:
في الحقيقة لا يوجد من يرتكب الأخطاء دائمًا، لكنك آثرت إطلاق الأحكام على نفسك ووصفها بالخطاءة. ارتكاب الأخطاء هي مسألة بشرية، منها نتعلم وننمو ونصبح أكثر وعيًا وتطورًا نفسيًا ومعرفيًا وروحانيًا ومهنيًا.
قد لا نتحدث علنًا بهذه العبارة أو ما يشبهها، لكن الإحساس بها أقوى وأعظم، أن تشعري بأن كل ما يحدث لك أو للآخرين هو خطؤك أنت، هي مسألة تحتاج إلى إعادة نظر!
نعم، نرتكب الأخطاء، والعديد منها، لكنها لا تحدد من نحن أو من نكون، لأننا في تغيير مستمر والزمن لا يتوقف. نحن في رحلة تعلم ونمو، والأخطاء مجرد عثرات مؤقتة، تمضي لكنها تدفعنا بخطوات أكثر ثباتًا إلى الأمام.
تبني العبارات التالية واستخدميها عند ارتكاب خطأ ما:
في الحقيقة، تدعم وسائل التواصل الاجتماعي موضوع “المقارنات الشخصية”، حتى ولم تقولي بينك وبين نفسك “ياريت لو أني فلانة” لكن شعور ما يجتاحك وأنت ترين الممثلة أو المطربة أو المؤثرة أو غيرهن في أكثر لحظاتهن ألقًا وتوهجًا. فوسائل التواصل الاجتماعي تتغذى على نقاط ضعفك ومخاوفك وعدم الأمان لديك. إذا أردت الاطلاع على كيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صورة جسم المرأة ننصحك بالنقر هنا.
لأمرٌ رائع أن تنظري بإعجاب إلى الأخريات، ومن المهم أيضًا أن تقدري صفاتك الشخصية الفريدة. لكن بدلًا من تمني أن تكوني فلانة، استثمري في نفسك، واسعي لتكوني النسخة الأفضل من ذاتك. هل تعتقدين بأن امرأة أو شخصية اعتبارية تتمتع بالثقة وتقدير الذات تتمنى أن تكون محل غيرها، بالطبع لا. فالمرأة الواثقة بذاتها هي الأنثى التي عرفت قدر نفسها وترى بوضوح نقاط قوتها ومكامن سحرها، وهي التي قد تعرّفت أيضًا إلى مواطن ضعفها، فتسعى لاكتشاف الأدوات والتقنيات المناسبة لتحويلها إلى مصدر قوة.
استخدمي العبارات التالية لدعم ثقتك بنفسك:
تسهم لغتك إلى حد كبير في تشكيل خياراتك ومشاعرك وحتى مستوى القلق في جسمك. عندما تستخدمين لغة سلبية أو قاسية مع نفسك، فإنها غالبًا ما تنعكس على طريقة تعاملك مع الآخرين وطريقة تعاملهم معك. ولا تتعجبي إن وجدت الآخرين يعاملونك بالطريقة التي تعاملين بها نفسك.
من الآن، راقبي أفكارك قبل أن تتحول إلى كلمات، وإن حدث وتفوهت بجمل أو عبارات تنطوي على عدم تقدير الذات، أعيدي صياغتها على الفور، بالطريقة التي تليق بإنسانيتك وكرامتك.
المصادر:
ما هي العلاقات السامة في العمل وكيف تتعاملين معها؟
مهارات تطوير الذات: رحلتك لبلوغ القمر تبدأ من هنا
يختبر كثيرون منّا الحب من طرف واحد. ويجد البعض طريقه بعد أخذ ورد وصد، لكن…
أشعرت بأنك غريبة عن نفسك؟ وإذا نظرت في المرآة لا تتعرفين إلى انعكاسك؟ تعيشين وفق…
أن تشعري بالخوف، بالتوتر، بالعجز، بالذنب، بالألم، أن يختفي صوتك في عَتْمِ الظلم، أن تتساءلي…
تخيلي نفسك تجلسين على سجادة صغيرة في مكان هادئ تفضلينه، ربما حقل ورد أو شاطئ…
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…