توجد روابط كثيرة وعلاقات وطيدة بين الأشجار والمرأة، ترتبطان بالمواسم والفصول ذاتها، تتشاركان بالإيقاع ذاته في النمو والإزهار والعطاء والصبر والقوة والجمال، تُجرح تُنهك تُصاب فتتكيف وتُشفى وتتعافى. كلاهما خلّاقتان مبدعتان تمنحان الحياة، والطبيعة الأم ولا سيما الأشجار كتاب ينضح بالحكمة والدروس المجانية، ومحراب للشفاء والراحة. برأيك أما آن الأوان لإحياء هذه الصداقة القديمة وتعزيزها والاحتفاء بها؟
لقد آن الأوان لندرك من نحن، لنعرف أننا خلايا حية تنبض في نسيج الطبيعة الواعية التي في جوهرها يسري نسغ الرقة والمحبة. لقد آن الأوان لندرك بأننا جزء من كيان أكبر وأن أجسامنا وأرواحنا ليست إلا جزء من جسم هذا الكوكب وروحه. لنعد إلى موطننا الأصلي إلى ينبوعنا الأول إلى الطبيعة الأم ونحترمها بأشجارها وأنهارها وكائناتها وتربتها وجبالها وصخورها وهوائها، لنعد إلى جذورنا ونتعرّف إليها من جديد، ربما نجد ضالتنا تحت ظلال أشجار الحياة الوارفة.
ظهرت عبادة الأشجار لدى العديد من الشعوب القديمة حول العالم منذ آلاف السنين، وهذه العبادات تعبر عن الاحترام والتقدير لقوة الطبيعة وجمالها.
لقد رأى أسلافنا القدامى في فترة الأنميزم تحديدًا بأن كل الموجودات في الطبيعة الأم لها روح؛ للشجرة روح وللحجر روح وللجبال روح وللنهر روح وللمعدن روح وللنار روح. وتعاملوا مع الأشجار ككائنات حية ترمز إلى الحياة والخصوبة والقوة والتجدد والروحانية، وفي حضرتها أقاموا المجالس والاحتفالات والطقوس الدينية والشعائر الروحية.
إلى يومنا هذا، ينظر العديد من السكان الأصليين حول العالم إلى الأشجار على أنها كائنات مقدسة، وأن حياة الناس لا يمكن فصلها عن الأشجار. لأننا نتنفس حرفيًا مع الغابات، فإذا ماتت الغابات مات البشر!
لقد عرف أسلافنا القدامى منذ آلاف السنين هذه الحقيقة، لكننا لم نكتفِ فقط بنسيانها، بل دمرنا هذه المجتمعات الكريمة والشعوب الواقفة الخضراء، ولا نَزَلْ!
ظهرت الأشجار قبل 390 مليون سنة. واستطاعت بعضها أن تحيا وحدها آلاف السنين، فهل لك أن تتخيلي علام شهدت هذه الأشجار؟ لقد شهدوا بصمت صعود وسقوط حضارات، حروب ومعارك، كوارث بيئية وطبيعية، لقد ثابرت وعاشت وكافحت بالرغم من الصناعات البشرية المتحمسة والمدمرة. كما شهدت جداتنا العظيمات “الأشجار” على رعاية الطبيعة الأم للأرض وشفائها من جروحها وصمودها ومقاومتها وثباتها وعطائها، إنها جوهر الحب غير المشروط. إنهن حاملات الذاكرة ووصيات المعرفة القديمة والحكيمة.
إليك أقدم الأشجار في العالم:
أقدم شجرة في العالم، وهي شجرة صنوبر من نوع بريستليكون، يصل عمرها إلى 5000 عامًا. تنمو هذه الشجرة في أعالي جبال كاليفورنيا ونيفادا ويوتا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعيش في ظل ظروف قاسية للغاية، كما تنمو ببطء شديد في بعض السنوات، فيصبح خشبها كثيفًا جدًا ومقاومًا للحشرات والفطريات والعفن والتآكل. يصل ارتفاع هذه الشجرة إلى 50 قدمًا وقطر جذعها إلى 154 بوصة.
تسمى هذه الشجرة أيضًا “سرو الزرادشتية”، وهي شجرة سرو موجودة في مقاطعة يزد بإيران. يُقدر عمر الشجرة بين 4000 إلى 5000 سنة، يبلغ محيطها نحو 11.4 مترًا وارتفاعها نحو 28 مترًا. تعتبر نصبًا تذكاريًا وطنيًا إيرانيًا، ويعتقد كثيرون بأن هذه الشجرة على الأرجح هي أقدم كائن حي في آسيا.
توجد هذه الشجرة، إحدى أقدم الأشجار في العالم، في باحة كنيسة القديس ديجان في قرية لانجيرنيو، شمال ويلز، المملكة المتحدة. يبلغ عمرها نحو 4000 عام، زرعت في العصر البرونزي ولاتزال تنمو حتى وقتنا الحاضر. ترتبط شجرة كونوي بالأساطير الويلزية ويُعتقد بأن هذه الشجرة تتنبأ بأسماء الموتى في كل عام.
في كتابنا العزيز “نساء تركضن مع الذئاب” تقول كاتبته كلاريسا بينكولا إستيس:
كل امرأة تشبه الشجرة، حيث تنهل من أعمق طبقات روحها الطاقة لتغذي أوراقها وأزهارها وثمارها. لا أحد يفهم من أين تستمد المرأة كل هذا القدر من القوة، وكل هذا الأمل وكل هذه الحياة. وإن تعرضت للقطع أو الخلع تنبت جذورها بالبراعم وتحيا مرة أخرى. لديهن اتفاق مع هذا المصدر الغامض ألا وهي الطبيعة الأم.
بينما تقول فيرجينا وولف: أشعر أنني أقوى وأكثر حكمة كلما تأملت الأشجار ورأيت قوتها وهدوءها. أما إميلي ديكنسون كتبت: الشجرة التي تنمو بصمت في الغابة تعلمنا أن القوة الحقيقية لا تحتاج إلى ضجيج.
انظري فقط إلى الأشجار أو اجلسي بالقرب منها لتتعلمي التمهل والاسترخاء فتعززي من أنوثتك وتطفحين بها. توهجي بصمت الأشجار وحكمتها وهدوئها. اضربي جذورك عميقًا ولا تكترثي للرياح من بعدها.
تعلمي من الأشجار الحب، أحبي نفسك وداويها، اشفي جروحك حتى تكوني قادرة على محبة الآخرين والعطاء من باب قوة لا ضعف وحاجة.
يؤكد عالم الأحياء والفيلسوف أندرياس فيبر بأن “الأنظمة البيئية هي قصص حب، فطرقنا العميقة للتواصل والشعور، للمس وتلقي اللمس، هي طرق بيئية في منح الحياة والحب. عندما نكتشف أن البيئة هي قصة حب نابضة بالحياة، يمكننا حينها أن نتخلى عن عادات حضارتنا العنيفة”.
“إن الأشجار مخلوقات اجتماعية تتواصل وتتعاون مع بعضها البعض بطرق تنقل دروسًا للبشر”تقول سوزان سيمارد، عالمة البيئة وأستاذة بيئة الغابات في جامعة كولومبيا البريطانية.
وتؤكد سوزان سيمارد بأن الأشجار تحذر بعضها البعض من الخطر عن طريق إرسال إشارات تحذير كيميائية، وتتشارك العناصر الغذائية فيما بينها للحفاظ على صحة بعضها البعض في الأوقات الحرجة. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط الأشجار فيما بينها من خلال شجرة أكبر سنًا في العمر هي “الشجرة الأم” أو الشجرة المركزية”.
تسهم “الشجرة الأم” فعليًا في نمو الشتلات من خلال التواصل معها، حيث تنقل الأشجار القديمة بعض الكربون والمواد الغذائية والمياه إلى الشتلات الصغيرة في الأوقات الحاسمة من حياتها لمساعدتها في البقاء على قيد الحياة.
ومما يثير الإعجاب أيضًا بأن الأشجار التي تتقدم في العمر تنقل 40% من الكربون المخزن في أنسجتها إلى الأشجار المجاورة لها، أما بقية الكربون يتشتت في أثناء عملية التحلل الطبيعية. وبهذا، فإن الأشجار القديمة تؤثر مباشرة في نمو الغابات الجديدة مستقبلًا، ولمن الضروري السماح للشجرة القديمة بالمرور بعملية الموت الطويلة من تلقاء نفسها. إذ إن الممارسات المتمثلة في قطع الأشجار بغرض التخلص من الأشجار الميتة، أو الأشجار التي ماتت للتو أو التي احترقت في حرائق الغابات، تعطل هذه العملية الطبيعية.
أجل، يوجد الكثير لنتعمله من هذه الكائنات الرائعة والواعية، ولكم نحتاج إلى بناء هذه العلاقة من جديد على أسس الاحترام والمحبة.
إلى جانب كل ما سبق، تلعب الأشجار دورًا حيويًا في دعم البيئة وتحسين جودتها عامة، وبعض فوائدها الحيوية يتمثل في الآتي:
تمتص الأشجار ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتطلق الأوكسجين في أثناء عملية التمثيل الضوئي، مما يسهم في تحسين جودة الهواء وتنقيته من الملوثات والغازات الضارة.
للأشجار دور بارز في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتخزينه في جذوعها وأغصانها والتربة المحيطة بها.
تساعد جذور الأشجار في تثبيت التربة ومنع انجرافها وتآكلها، الأمر الذي يساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئات الطبيعية.
توفر الأشجار مساحات من الظل والمأوى للعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والحيوانات البرية، وتوفر الغذاء والموارد الأخرى الضرورية لبقائها.
تساعد جذور الأشجار في تصفية المياه واستخراج الشوائب منها، بالإضافة إلى تقليل تسرب المواد الكيميائية الضارة إلى المياه الجوفية.
تعمل الأشجار كحاجز طبيعي لامتصاص الصوت وتخفيض أثر الضوضاء الناجم عن المرور والصناعات وغيرها من مصادر الضجيج.
توفر الأشجار الظلال الطبيعية وتقلل من درجة حرارة الهواء المحيط بها، مما يقلل من الحاجة إلى استخدام أجهزة التكييف وبالتالي يخفض من تكلفة فاتورة استهلاك الطاقة.
يمكن للنساء أن يلعبن دورًا حيويًا في دعم حماية الأشجار وزيادة أهمية الحفاظ عليها من خلال عدة استراتيجيات وإجراءات. فيما يلي بعض الطرق الفعّالة:
من خلال المشاركة في هذه الأنشطة، يمكن للنساء أن يسهمن بشكل كبير في جهود حماية الأشجار والحفاظ عليها. إنها دعوة مفتوحة للجميع؛ لنحترم جداتنا الحكيمات، لنحترم جذورنا.
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…
ما هو الحيوان الروحي؟ يشير الحيوان الروحي في بعض الثقافات الروحية القديمة إلى روح تحمي…
هل تصدقين بأن ألم الدورة الشهرية مجرد فكرة موجودة في رأسك؟ كثيرًا ما قابلت فتيات…
نتساءل ويسأل كثيرون ما هو الحب؟ يرغبون في معرفة إن كان ما يعيشونه من مشاعر…
كثير من النساء والفتيات عالقات مسجونات في شباك وهم الزمن - الماضي والمستقبل، وغير قادرات…