كثير من النساء والفتيات عالقات مسجونات في شباك وهم الزمن – الماضي والمستقبل، وغير قادرات على التخلص منها والتحليق نحو مصائرهن المتفردة. فإن حدث ووقعت على رأسك حبة جوز هند في أثناء تجوالك، اعلمي أن الكون يناديك لتشمري عن ذراعيك وتبدئي رحلة تطوير الذات (مجرد تقفيلة). صحيح أن للكون طرقه الخاصة لدعوتك إلى مسار التطوير والنمو، لكن اعلمي أن قلبك قد أرسل لك من قبل عشرات أو مئات الرسائل غير أنك لم تفتحي الباب لساعي البريد.
ما يهم هنا هو رحلتك نحو تحقيق أهدافك وطموحاتك، التي لن تتكلل بالنجاح دون العمل الجاد على تطوير الذات والاستثمار بها، ومنحها الأدوات والتقنيات والاستراتيجيات لبلوغ أقصى أهدافها.
في هذا المقال نسلط الضوء على أهمية تطوير الذات، والدعامات الأساسية التي تحتاجينها فعليًا للشروع في هذه الرحلة، وأهم النصائح والإرشادات العملية لتطوير الذات.
يشير مفهوم تطوير الذات إلى الجهود الواعية والهادفة التي يبذلها الأفراد لتعزيز مهاراتهم ومعارفهم وقدراتهم الشخصية والمهنية. ففي سياق العمل يشمل تطوير الذات اكتساب كفاءات جديدة وتحسين الكفاءات الحالية و تشجيع التفكير المبادر بهدف التفوق في المجال المهني.
أما على الصعيد الشخصي، فإن التطوير الذاتي ينطوي على أنشطة تهدف إلى تحقيق النمو الشخصي والوعي بالذات والرفاهية الشاملة. وغالبًا ما يتضمن تحديد أهداف للتطوير الذاتي والمهني، والانخراط في عملية التعليم المستمرة حتى تخرج أفضل نسخة منك للعالم.
إحدى أهم الأفكار التي طُرحت حول هذا الموضوع هي عملية تحقيق الذات للمفكر أبراهام ماسلو. إذ يقترح ماسلو (1970) أن لدى جميع الأفراد حاجة فطرية للتطور الشخصي التي تحدث من خلال عملية تسمى تحقيق الذات.
ومدى قدرة الناس على التطور يعتمد على تلبية حاجات معينة وهذه الحاجات تشكل تسلسلًا هرميًا. وفقط عندما يتم تلبية مستوى واحد من الحاجات يمكن بلوغ مستوى أعلى.
يرى ماسلو بأن جميع الأفراد لديهم الحاجة إلى رؤية أنفسهم كأشخاص أكفاء ومستقلين، وأن كل شخص لديه مساحة غير محدودة للنمو وتطوير الذات. أما تحقيق الذات فيتم عن طريق التواصل مع مشاعرك وتجربة الحياة كليًا وبتركيز تام.
1- في أسفل التسلسل الهرمي توجد الحاجات الفسيولوجية الأساسية كالطعام والشراب والجنس والنوم، أي الأمور الأساسية الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
2- الحاجة إلى السلامة والأمان بالمعنى المادي والاقتصادي.
3- إشباع الحاجة إلى الحب والانتماء.
4- يشير المستوى الرابع إلى تلبية الحاجة إلى احترام الذات وتقدير الذات. هذا هو المستوى الأكثر ارتباطًا بـ “تمكين الذات”.
5- إنه مستوى الحاجة إلى الفهم، والنزوع إلى الأفكار التجريدية مثل الفضول والبحث عن المعنى أو الهدف من الحياة.
6- يتعلق المستوى السادس بالحاجات الجمالية والفنون والتناظر والنظام.
7- وأخيرًا على هرم الحاجات تتربع الحاجة إلى تحقيق الذات.
يتكون التطوير الذاتي من ثلاثة دعامات أساسية ومترابطة:
إن الوعي بالذات مرحلة مهمة من مراحل تطور الشخصية تشبه عملية تقييم الذات. وهي عملية تشمل التعرف على نقاط قوتك وضعفك وقدراتك دون إطلاق الأحكام عليها، وهي فترة للتأمل والإدراك الواعي لشخصيتك. فالتعرف إلى شخصيتك مسألة ليست مهمة فقط في حياتك الخاصة، وإنما أيضًا في حياتك المهنية.
المرأة الواعية بذاتها تستطيع تحليل نقاط قوتها وضعفها لمعرفة المجالات التي يمكن أن تبدع فيها، وأية جوانب من شخصيتها ترغب في الاستثمار بها وتطويرها. وهي قادرة على التأمل في قيمها ومعتقداتها واهتماماتها الخاصة لفهم نفسها على نحوٍ أفضل.
قد تكتشف المرأة الواعية بذاتها موهبة تتمتع بها كالرسم والكتابة وتستمتع بقضاء الوقت وحدها تمارس هذه الهوايات. في الوقت ذاته ترى بأنها تواجه صعوبة في التعبير عن آرائها وترغب في تطوير ثقتها بنفسها أكثر في المناسبات الاجتماعية.
إنها المرحلة التي تتقبلين فيها نفسك وشخصيتك، القبول بكل جوانبك شخصيتك وتقديرها. القبول الإيجابي للنفس هو الركيزة الأساسية للتنمية الشخصية الصحية وتمكين الذات.
يشمل قبول وتقدير شخصيتك بما فيها من نقاط ضعف وقوة، دون التقليل من شأن نفسك ومقارنتها بالأخريات، أو نقد ذاتك باستمرار.
المرأة التي تعمل على تقبل ذاتها ستتعلم أن ترضى بعيوبها وأخطائها، وهي على دراية بأنها امرأة غير مثالية لكنها تتمتع بقيمة عالية ومحبوبة كما هي، وتتعامل مع نفسها برحمة ولطف.
يبدأ التغيير الذاتي باتخاذ خطوة فعلية، وهذه المرحلة تتطلب قوة الإرادة والانضباط. فبعد وضع الأهداف يبقى فعليًا العمل على تحقيقها، ولتحطيم العادات والأنماط القديمة تحتاجين إلى الشجاعة والمثابرة والخروج من منطقة الراحة.
يتضمن التغيير الذاتي اتخاذ خطوات فعلية لإحداث تغيير ملموس. وفي حين أن المرحلتان السابقتان تحدثان في عقلنا، إلا أن التغيير في هذه المرحلة يحدث في حياتنا اليومية.
فمثلًا يمكن للمرأة التي ترغب في التشافي أن تبدأ في الاطلاع على مواضيع التشافي الذاتي وقراءة الكتب والبحث عن مدربين أو اختصاصيين والتسجيل لحضور جلسات خاصة. إنها عملية تغيير شاملة تتضمن التحدي والشجاعة والمواجهة والقبول والتعافي.
من أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ وما هي رسالتك؟ لا تستهيني بهذه الأسئلة، اطرحيها على نفسك يوميًا قبل أن تخلدي إلى النوم، واستمعي إلى الإجابات التي ستحصلين عليها. في عالم يرغب بأن نجري مع تياره الاستهلاكي يصعب أن نكون أنفسنا وأن نعود إلى ذواتنا. تذكري بأن تخلقي أفضل نسخة من نفسك وأن تركزي على ما تطمحين إليه، ولا تهتمي بآراء الآخرين لأنهم سيطلقون أحكامهم في جميع الأحوال.
توجد مقولة “لن تصدقي كم سينساك الآخرون بسرعة بعد وفاتك” وهذه حقيقة. أضيفي إلى ذلك، عندما سئل بعض المسنين عما يندمون عليه في حياتهم أجابوا: الأشياء التي لم يفعلوها.
الاكتفاء بما حققته يعني عدم تطورك بعد الآن. فالراحة والنمو كالزيت والماء لا يجتمعان. وكان الفيلسوف فريدريك نيتشه يرى بأن الراحة تسحق الإبداع وتشجع على الامتثال والرضوخ.
الامتناع عن المجازفة يعيق النمو والتطور، وفي نهاية المطاف لن تحرزي التقدم المطلوب. فتجاوز الحدود وتجربة أمور أو نشاطات جديدة تقوم بتحدي معتقداتنا وتغير من طريقة تفكيرنا، كما تساعدنا على تحقيق إمكانياتنا الكاملة. ولا تنسي بأن خوض أمور جديدة إحدى الطرق المثالية للحفاظ على نشاط عقلنا.
نمر بمواقف صعبة وتحديات مربكة، ومن أهم المهارات التي ستحتاجين إلى تعلمها هي كيفية التعبير عن ذاتك والدفاع عن حقوقك. عبّري عن مشاعرك ولا تكبتيها في داخلك، وضعي حاجاتك أولاً ثم حاجات الآخرين في المرتبة الثانية.
أن تكوني حازمة في الحوار يُظهر احترامك لنفسك واستعدادك للدفاع عن مصالحك والتعبير عن أفكارك، كذلك يُظهِر أنك على دراية بحقوق الآخرين وعلى استعداد للعمل على حل النزاعات.
ليس ما تقولينه فقط ما يهم وإنما أيضًا أسلوبك وطريقتك في توصيل الرسالة. فإن كنت تناقشين بطريقة سلبية للغاية أو عدوانية فستضيع رسالتك لأن الناس سينشغلون بالرد على أسلوبك.
اكتشفي أهمية العناية بالذات لتحقيق التنمية الشخصية، وابدئي في صياغة استراتيجيات للحفاظ على الصحة البدنية وإدارة التوتر وممارسة التأمل ورعاية الصحة العاطفية. تعلمي كيف تبنين عادات جديدة إيجابية تتوافق مع أهدافك في تطوير الذات.
تتشكل العادات من خلال إنشاء وتعزيز المسارات العصبية في الدماغ. فندما نكرر سلوكًا ما باستمرار، مثل الركض أو تناول غذاء صحي، تصبح الروابط العصبية المرتبطة بهذا السلوك أكثر كفاءة، وتسمى هذه العملية بالمرونة العصبية. وبمرور الوقت، تجعل هذه المسارات العصبية المعززة عاداتنا أكثر تلقائية وتتطلب جهدًا أقل، أي كلما كررت سلوكًا ما غالبًا ما يصبح عادة.
أين تجدين نفسك في السنوات القليلة القادمة؟ إذا كنت تعرفين أهدافك وطموحاتك في الحياة فسجليها حتى تتوضح أمام عينيك. تساعدك الكتابة في تحديد الأهداف ومتابعتها، كما تحفزك أكثر وتزيد من إنتاجيتك. وتوفر أيضًا مساحة للتفكير في تقدمك وإجراء التعديلات حسب الحاجة.
اكتشفي قيمة التعلم والمعرفة ودورهما في تطوير الذات. ابحثي عن فرص متنوعة للتعلم، مثل القراءة وحضور ورشات عمل والتسجيل في دورات تدريبية. ابتداءً، يمكنك تحديد المهارات الأساسية التي تتوافق مع أهدافك الشخصية والمهنية، ومن ثم وضع الطرق اللازمة لاكتساب هذه المهارات بما في ذلك الممارسة والتطبيق والبحث عن الموارد والانخراط ضمن المجموعات وغير ذلك.
إيجاد تقنيات لتنمية المرونة والتعافي من النكسات خطوة مهمة لتطوير الذات. تعلمي كيفية التعامل مع التحديات وتجاوزها بأقل الخسائر، وأن تتعاطفي مع نفسك في الأثناء. من الضروري تقبل الفشل والنظر إليه كفرصة للتعلم والتطور.
حددي المعتقدات الداخلية والموروثة وغير الأصيلة التي تعيق من نموك الشخصي وتنفث الخوف في نفسك. تعلمي أفضل الطرق للتخلص من الحديث السلبي مع الذات، وأعيدي صياغة هذه المعتقدات بما يتوافق مع طموحاتك، واستثمري في عقلية إيجابية وقوية.
يقول أينشتاين “إن المثل العليا التي أنارت طريقي ومنحتني شجاعة جديدة لمواجهة الحياة بسعادة مرارًا وتكرارًا ، هي اللطف والجمال والحقيقة”. كل شخص يخوض معركته الخاصة في هذه الحياة، والعالم يصبح أفضل باللطف والكرم. لا تتواني عن مساعدة الآخرين، وإن لم تتمكني من مساعدتهم اكفيهم أذاك أو شرك. لن تكسبي شيئًا بالبغض واللؤم، بينما سيفتح لك الكرم واللطف بوابات من الخير غير محسوبة.
بناء شبكة من العلاقات والصداقات الداعمة مسألة في غاية الأهمية. تعرّفي إلى كيفية تحديد العلاقات الإيجابية التي ترفع من معنوياتك وتلهمك في رحلة نموك الشخصي. ومن الضروري وجود مرشد أو شريك يساعدك في الالتزام بتحقيق أهدافك، ويشجعك على الاستمرار والتطور.
تهانينا، وصولك إلى هذا السطر خير دليل على جديتك ونيتك لتطوير الذات، إنها رحلة عمر لا تتوقف في المحطة التالية. انطلقي بمرونة وسعي جاد و تأمل ذاتي لتحقيق إمكاناتك الكاملة، احتفلي عند كل محطة وراقبي تطورك وافتخري بنفسك، أطلقي للعالم النسخة الأفضل من نفسك، وألهمي من حولك!
المصادر:
رحلة التشافي الذاتي: 10 خطوات لاستعادة توازنك الداخلي
علاج رعشة الجسم عند التوتر: الدليل الصحيح
ما هي العلاقات السامة في العمل وكيف تتعاملين معها؟
انطلاقًا من أهمية موضوع الطفل الداخلي وتأثيره العميق والكبير على حياتنا، واستكمالنا لمقالنا السابق شفاء…
بالرغم من أن مفهوم الطفل الداخلي ظهر في أربعينيات القرن الماضي على يد الفيلسوف السويسري…
ما هو الحيوان الروحي؟ يشير الحيوان الروحي في بعض الثقافات الروحية القديمة إلى روح تحمي…
هل تصدقين بأن ألم الدورة الشهرية مجرد فكرة موجودة في رأسك؟ كثيرًا ما قابلت فتيات…
نتساءل ويسأل كثيرون ما هو الحب؟ يرغبون في معرفة إن كان ما يعيشونه من مشاعر…
عالمنا .. عالم مليء بالضغوطات اليومية والتحديات النفسية، وللصدمات جذور لها في دواخلنا غالبًا ما…